فيلم "كارما" .. رؤية سطحية لواقع مؤلم
بعد غياب سبع سنوات يعود لنا المخرج خالد
يوسف بفيلمه الجديد كارما الذي يعد فصلاً جديداً من سلسلة أفلامه عن العشوائيات
وسكانها ومعاناتهم مع الفقر والجوع وقلة الحيلة والتجاهل والضغط الاقتصادي
والاجتماعي الذي يتعرضون له. المختلف في هذا الفيلم أنه الأسوأ بين هذه السلسلة إن
لم يكن أسوأ فيلم في تاريخ خالد يوسف السينمائي الذي يقدر بإحدى عشر فيلماً
تقريباً. كعادته في معظم أفلامه، أراد
المخرج تكديس جميع مشكلات وأزمات المجتمع السياسية والاقتصادية والدينية والنفسية
أيضاً في فيلم واحد، فلم يستطع تقديم سوى مزيد من الثرثرة السطحية متجاهلاً
التنقيب في عمق الأفكار وتقديمها بشكل سينمائي بعيداً عن المقالات الصحفية
ومنشورات مواقع التواصل الاجتماع.
يطرح الفيلم قضية الفئات التي تتعرض للتهميش
والضغط الأجتماعي والاقتصادي من خلال عقد مقارنة بين شخصين، أدهم رجل الأعمال فاحش
الثراء، مسلم، من أبناء المدينة، ووطني الذي يعاني من العوز والفاقة المدقعة،
مسيحي، صعيدي نازح إلى المدينة، (يقوم بكلا الدورين عمرو سعد)، يتجسد كل منهما في
أحلام الآخر، فالغني تؤرقه رؤية الفقير الذي يشبهه شكلاً بتفاصيل حياته ومشكلاته
في أحلامه في سلسلة متصلة لا تنتهي، ويحاول البحث مع طبيب نفسي متصوف (خالد
الصاوي)، والذي لا ندري لماذا هو متصوف وما فائدة تفصيلة مثل هذه للشخصية، عن سبيل
للتخلص من هذه الأحلام التي تؤرق نومه. بينما يحلم الفقير بحياة الغني المترفة
المنعمة بمشاريعه وعلاقاته النسائية والسياسية أيضاً، ويعتقد في وجود كنز دفين في
منطقة أثرية مهجورة بالقرب من مسكنه يقضي نهاره في البحث عنه متقاعصاً عن العمل.
وتحاول زوجته مدينة (زينة) في توفير حاجات المنزل من الطعام والعلاج عن طريق إغواء
فتوة الحي، الذي يضمر كرهاً مجهول السبب لوطني.
يعالج المخرج قضيته بطريقة سطحية ساذجة مثيرة
للضحك، ليس لأنها كوميدية ولكن لانعدام منطقيتها وواقعيتها بالنسبة لفيلم يعالج
مشاكل اجتماعية قائمة. فيستفيض في شرح المشكلات، الشرح بالمعني اللفظي، ويقدم لها
الحلول السهلة الرومانسية من خلال وجهة نظر كل طرف عن طريق إحلال كل منهما مكان
الآخر، فيقوم الفقير بحل مشاكل الغني بالتخلي عن مشروع الاستيلاء عن أراضي
العشوائيات وبالتالي رفض التعاون مع ممثل الحكومة الذي يساومه على شراء قطعة أرض
في مشروع الدولة مقابل تقديم التسهيلات التي يريدها، ويحارب له منافسيه ويقضي
عليهم. ويختزل أزمة الفقير في تكاسله عن العمل الجاد وانتظار الكنز الدفين، فيقوم
الغني بإرشاده إلى طريق كسب الرزق بمنتهى السهولة والبساطة، وكأن كل شيء سهل ومتاح
لكن كسل الفقراء هو السبب.
استعاض المخرج كثيراً بالحوار عن الصورة
وأسهب في شرح وتحليل كل شيء كأننا نقرأ مقالاً لا نشاهد فيلماً يعتمد بالأساس على
لغة الصورة، أو ربما اعتقد أن المشاهدين بعقلهم القاصر غير قادرين على فهم المعان
التي ضمنها فيلمه وفك شفرات رموزها فتولى، عن طريق الحوار الإسهاب في شرح كل شيء، وتصدير
معلومات مجانية، بدءً من شرح أسم الفيلم على لسان البطل الغني حينما كان يخبر حبيبته
معنى أسم كرما الذي يريد أن يسمي به ابنته. وتصريحه عن الصفات التي أضفاها على
بطله الفقير (المسيحي – الصعيدي) على لسان الطبيب النفسي في إشارة للفئات مهدورة
الحق، حينما كان يحلل لمريضه الغني لماذا يحلم بهذه الشخصية تحديداً. وصولاً إلى مغزى
الفيلم الذي صرح عنه بصوته في نهاية الفيلم مع نزول التترات. هذا فضلاً على
الكلشيهات المباشرة الفجة حول رجال الأعمال الذين يحتقرون الفقراء ويرجعون حاجتهم
وعوزهم إلى غبائهم وفوضاويتهم. كما لم يستطع تقديم معالجة جدية أصيلة لمسألة حرية
العقيدة والضغط الديني، واكتفى بالحوار على لسان البطلين، ولم يكن هناك أي إشارة
من قريب أو بعيد عن مشاكل الصعيد وأزماته وتهميشه رغم تأكيده على أنهم ضمن سلسلة
المقهورين.
ومثلما طال الاستسهال الفكرة والسيناريو
والحوار أصاب أيضاً بقية عناصر الفيلم. فقد استخدم المخرج القطع الحاد اللاهث
أحياناً وكأن المشاهد يرى مجموعة من اللقطات المبتورة التي رصت جوار بعضها، الأمر
الذي يجعل المشاهد يستغرق وقتاً حتى يدرك هذا الانتقال السريع المفاجئ، مثل مشهد
تلقي رجل الأعمال المنافس (ماجد المصري) خبر ما على الهاتف ثم قطع على منشتات صحف
عن إفلاسه ثم انتحاره. المعارك أيضاً تم تنفيذها بشكل سيء وكأننا نشاهد فيلما في
خمسينات القرن الماضي. حتى المشاهد الحميمة والرومانسية بين الأبطال كانت باردة
ومصطنعة، سواء على مستوى تنفيذها أو أداء الممثلين لها، لا يمكن للمشاهد أن يشعر
بها أو يتماهى معها.
على مستوى التمثيل لم يكن هناك أداء لافت
للانتباه سوى دلال عبد العزيز بحضورها المبهج، بينما كانت المشاهد الكوميدية التي
قدمت مفارقات وجود الفقير الصعيدي في بيت الغني هو أفضل أداء قدمه عمرو سعد في
الفيلم. أما عن الوجه الجديد التونسية سارة التونسي، الذي يعد هذا الفيلم هو أول
أدوارها على الأطلاق، فقدمت أداء بارد في دور الحبيبة وكأنها كانت تلقي على
مسامعنا جمل حوارها التي حفظتها. والعجيب حقاً هو ظهور ممثلة في إمكانيات وفاء
عامر في دور لا أهمية له على الإطلاق، كان يمكن تقوم به أي كومبارس أو يتم
الاستغناء عنه غير مأسوف عليه.
قدم خالد يوسف في كارما وجهة نظر هزيلة وغائمة، متجاهلاً واقع ملموس معلوم للجميع، وحتى إن كانت هذه هي وجهة نظره في المجتمع حقاً، فلم يستطع أن يعبر عنها بلغة السينما وإنما قدم لنا على مدار أكثر من ساعتين شرح متواصل وثرثرة خطابية لا طائل من ورائها.