"طريق النحل" .. شخصيات هزيلة ورؤية جوفاء
تكتسب الأفلام
التي تجسد الصراعات التي يمر بها شعب ما أهميتها من قدرتها على سبر أغوار أزماتها
والتعبير عنها بشكل حقيقي دون افتعال أو استسهال. تتخذ من حياة الناس ووجهة نظرهم
وسلوكهم الإنساني الطبيعي تجاه مشكلات واقعهم الاجتماعي التي تؤثر على قراراتهم
الخاصة مادة لها، وتعبر عن شخصيات من لحم ودم يبكون ويضحكون ويتألمون ويعانون من
ازودواجية المعايير ويتأرجحون بين ما هم عليه حقاً وما يرغبون أن يكونوا عليه أو
يتخيلون أنهم عليه. فتستطيع أن تلمس قلوب الناس في جميع أنحاء العالم بمصداقيتها
رغم اختلاف اللغة والثقافة لأنها تلمس بطريقة أو بأخرى شخص ما قابع بداخلهم.
الفيلم السوري
(طريق النحل) لمخرجه عبد اللطيف عبد
الحميد، والذي عرض بمسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي، يعبر أيضاً عن أزمة الشعب السوري الذي تشتت أسره بين قتلى ومهجرين
ومهاجرين بسبب الحرب الدائرة منذ ما يقرب من 7 سنوات. وأصبحت رؤيته غائمة فما عاد
قادراً على اتخاذ قرار بشأن حياته وأصبح متأرحجاً بين البقاء في البلاد، رغم
الأخطار المحدقة، والهجرة إلى المجهول والاغتراب. وهي فكرة تسحتق الاحترام ولكن تم
تسطيحها وتقديمها في صورة سكتشات مطاردات غرامية وأداء هزيل ورؤية جوفاء، فنجد
أنفسنا أمام فيلم كوميدي، أشبه بالدراما التليفزيونية، ليس مضحكاً، يتحدث عن حرب
وشتات لا نرى أي آثار أو علامات لها على الشاشة، وبالتالي لا يمكنها أن تملس
قلوبنا أو نتعاطف معها.
الثالوث المقدس
من خلال قصة وحبكة
أهلكتها الدراما التليفزيونية والأفلام العربية والهندية أيضاً، يحاول المخرج أن
يجسد حيرة الشعب السوري بين النظام القديم الذي أغدق كرمه عليه، حسب رؤية المخرج،
وبين الشباب الذي يطمح إلى مستقبل يبنيه بيديه، وبين الهجرة التي لم تعد أسهل
الحلول أيضاً. تدور الأحداث حول فتاة (ليلى) وحبيب شاب فقير وعاشق عجوز ثري، وتقع
الفتاة في حيرة بين الشاب الذي تحبه والثري العجوز الذي لا يمكنها أن تنكر كرمه.
ورغم وجود رجل ثالث وهو الحبيب السابق الذي هاجر إلى ألمانيا وظنت الفتاة أنه قتل،
إلا أن الصراع لا ينشأ سوى بين هاذين الرجلين، بينما استمرت في وعودها لهذا الثالث
المهاجر،الذي ظهر كالعادة في اللحظة التي صرح لها الشاب بحبه، بإعداد أوراقها
وسفرها إليه. وهو السلوك الذي لا تتخذه سوى فتاة لعوب، وليست فتاة بريئة وطيبة كما
يحاول الفيلم أن يقدمها لنا، وهذا ما يعني أن هناك خلل في رسم الشخصيات تم تجاهله ما
أدى إلى ولادة شخصيات مشوهة تفتقر سلوكياتها إلى المنطق أو تتنافى مع الصورة التي
يحاول أن يرسمها الفيلم لنا.
تهميش الأزمة
السورية
برغم أن الفيلم
يحاول أن يقدم لنا معاناة الشعب السوري الذي تقطعت أوصاله بسبب الحرب ويعيش دائماً
على حافة الهاوية وخطر القتل أو الإصابة بالقذائف التي تنهال عليه، إلا أن المخرج
قد أخفق في رسم صورة حقيقة لواقع الأزمة والفجوة الحقيقة التي تركتها في نفوس
السوريين. فقد أظهر البلاد جميلة وهادئة وصباحاتها مشرقة بنور الشمس، والناس
يخرجون للغداء في المطاعم إذا أردوا ذلك بكل سهولة، ويذهبون إلى الشواطئ ويتجولون
بالسيارات في الطرقات ويصنعون الأفلام. لكنه حتى لا يفوته أنه يصنع فيلماً يتحدث
عن حرب وشتات لم ينسى أن يقحم الحديث عنها في الحوار بين الشخصيات، فيرى الرجل
الثري أطفال صغار يعملون في الفندق وحينما يسأل صاحب الفندق يقول له أنها الحرب.
وفي مشهد كوميدي مبتذل وساذج تسقط قذيفة في صحن الدار الذي تسكن فيها ليلى والحبيب
الشاب، فيقوم الشاب بتفكيك القذيفة بمنتهى السهولة وكأنه أمر لا يستحق العناء. كما
يصاب هو أيضاً بسقوط قذيفة عليه، ولا نرى عليه سوى بعض الخدوش والكدمات.
شخوص من شمع
ومثلما يعالج المخرج
قصته باستسهال تعامل بنفس الطريقه مع أبطاله. فلم تنجح الشخصيات الثلاث في أن
تجعلنا نتفاعل معاها أو نتماهى مع حيرتها وحزنها وتضحياتها وصراعتها بسبب الطريقة
السطحية التي تم تقديمها بها، فضلاً عن الأداء البلاستيكي المتكلف للممثلين. فبرغم
ظلال شخصية البطلة (ليلى) كفتاة قتلت الحرب أهلها وأبعدتها عن موطنها وتمزعها
الحيرة بين رجلين تظهر طوال الوقت بكامل ميكاجها وشعرها المصفوف حتى وهي نائمة أو
تقوم بنشر الغسيل، تلبس دائماً ملابس عارية وضيقة لا تناسب طبيعة الشخصية أو وسطها
الاجتماعي. دائمة البكاء بافتعال وبدون دمعة واحدة تفسد كحل عينيها.
لم يعطي الفيلم
كذلك أي أبعاد لشخصية الحبيب الشاب الذي تم تهجيره من موطنه أيضاً، ولا نعلم عنه
سوى إنه مسعف يمتلك موهبة تقليد الأصوات التي بدا استخدام المؤثرات الصوتية بها
بالغ الفجاجة. هذه القدرة التي لا يوجد سبب لاختيارها بالتحديد خاصة وإنها لا
تساهم في الحكي أو دفع القصة إلى الأمام سوى إضفاء لمسة كوميدية على الفيلم
وانتزاع الضحك من صدور المشاهدين. كما لم تكن هناك أي ملامح تميز شخصية العاشق
كبير السن سوى أنه رجل طيب القلب وكريم وثري ويبدو أن الحرب وظروف البلاد لم تؤثر
عليه بشكل من الأشكال.
لم يستطع الفيلم
إثارة المشاعر تجاه ويلات التمزق الداخلي والشتات الذي تعاني منه سوريا بلداً
وشعباً بتهميشه للفكرة الأصلية التي يدور حولها الفيلم واقتصاره على إقحامها في
الحوار أو بمواقف إصطناعية وتقديمه لشخصيات هزيلة وسطحية، فلا نجد سوى بعض
المطاردات الغرامية والاسكتشات الكوميدية التي لم تستطع أيضاً رسم شبه ابتسامة على
الشفاه.