"زوجتي والكلب" فيلم الصمت والصورة
الإثنين 25/سبتمبر/2017 - 11:24 ص
أحمد ديباوي
فيلم "زوجتي والكلب"، إنتاج العام 1971، مدير التصوير: عبد العزيز فهمي، مونتاج: عطية صالح وحسين عفيفي، المخرج: سعيد مرزوق.
على الرغم من أنّ فكرة هذا الفيلم مقتبَسة من مسرحية (عطيل) لوليم شكسبير، وعلى الرغم من أنّ القضاء حكم في العام 1975 لصالح الروائي "محمود البدوي" بتعويض قدره 1000 جنيه لقيام المخرج "سعيد مرزوق" بسرقة قصة الفيلم من قصة "رجل على الطريق" للبدوي، على الرغم من ذلك إلا أن هذا الفيلم تحديدا يُعدّ تُحفة سينمائية في السيناريو التصوير والإضاءة والمونتاج وأداء الممثلين، خصوصا محمود مرسي، وبالطبع هو تحفة سينمائية في الإخراج، على الرغم من أنه يُعدّ الفيلم الروائي الأول لمخرجه "سعيد مرزوق" الذي لم يتعلّم في معاهد السينما مثل غيره من المخرجين!!
بدا "سعيد مرزوق" في هذا الفيلم كما لو كان فنانا تشكيليا ممتازا؛ فنانا متمردا على قوالب وتصنيفات الإخراج التي سبقته، فاصطنع في هذا الفيلم صورة تجريبية خلّدت اسمه بين أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، ولعل هذه الروح التجريبية المغامرة هي التي جعلت مدير التصوير الكبير عبد العزيز فهمي يتعاون معه في أول أفلامه الروائية الطويلة، فأثمر تعاونهما مع سائر طاقم عمل الفيلم عن "زوجتي والكلب"، ذلك الفيلم الذي لم يُشبِه في "تكنيك" إخراجه وصورته أي فيلم سبقه، الأمر الذي يجعل هذا الفيلم قِبلة رائعة للدراسة السينمائية والتحليل الفني.
باختصار، تدور أحداث الفيلم حول الزوج الريّس مرسي (محمود مرسي) الذي يعيش، بحكم عمله كعامل (فنار)، في عُزلة بعيدًا عن زوجته الفاتنة الصغيرة سعاد (سعاد حسني) ولا يشاركه في هذه العُزلة سوى مساعده الشاب اليافع نور (نور الشريف) الذي لا يعرف عن عالم النساء كثيرا، فهو يكتفي بالتهام صورهن الفاتنة المثيرة بعينيه كل ليلة قبل نومه، فيرى الريس مرسي أن واجبه يقتضي أن يستطرد في حكي قصصه ومغامراته النسائية قبل الزواج، خصوصا مع النسوة المتزوجات، وحين يتوجّه "نور" لقضاء إجازة قصيرة في المدينة، يكلّفه الريس "مرسي" بإيصال رسالة إلى زوجته الفاتنة، بعدها تستبدّ به الهواجس والتخيّلات والوساوس والشكوك حول نجاح "نور" في إقامة علاقة جنسية مع زوجته "سعاد"، وكيف لا وقد خان هو شخصيا من قبــل صديقه؟! فيغــرق الريس "مرسي" - أو عطيل المصري - في بحر التخيلات التي تقضّ مضجعه وتنال من نفسه وهو يمضغ وَحدته بعيدا عن المدينة حيث زوجته الفاتنة وصديقه الشاب!!
برع المخرج "سعيد مرزوق" في اختيار أماكن تصوير ورموز من البيئة محلّ الأحداث تعكس الحالة النفسية للبطل (محمود مرسي)؛ فقد اختار ثلاثة عناصر؛ هي: الفنار (رمز الوَحدة والعُزلة والنفْي)، والبحر بأمواجه المضطربة المرتطمة بالصخور(رمز اضطراب البطل نفسيا)، والكلب (رمزالوفاء والشهوة/ الشبق في آن)، وقد برع عبد العزيز فهمي بتكويناته وأحجام الكادرات التصويرية (الواسعة والضيقة) وتوزيع الإضاءة في كل مشهد في التعبير عن المظاهر النفسية المختلفة في الفيلم؛ كالوَحدة والشهوة والاضطراب والشكّ.
أهم ما يميز هذا الفيلم على الإطلاق هو كثرة مشاهد الفلاش باك، فلعله أكثر الأفلام المصرية التي ضجّت بالفلاش باك ( نحو 20 مرة)، وهو تكنيك سينمائي برع فيه "سعيد مرزوق" عمومًا، كما كان المونتاج خَصِيصة فنية امتاز بها الفيلم؛ فقد امتاز مونتاج الفيلم بالسرعة التي تناسب تشتُّت ذهن البطل واستبداد الشكوك المتتالية به بلا هوادة، وقد استطاع المونتاج ببراعة وإتقان ضبط إيقاع المشاهد وانسجام تكويناتها مع الأحداث السريعة، والربط بين الرمزية والحدث الذي يعكس الحالة النفسية للأبطال، كما في الرمز إلى صور النساء العاريات التي تتهادى على صفحة مياه البحر أمام نظر الشاب "نور"، والرمز إلى عظمة دجاجة في يد "نور" يذهل عنها في ما الكلب ينظر إليها متلهفا لإشباع معدته، والرمز إلى عظْمة سمكة ملقاة على الشاطئ، والرمز كذلك إلى "كوز" صفيح مُهمَل على شاطئ البحر، ولا أعتقد أن هناك مخرجًا مصريا آخر استخدم الرموز بحرفية وبراعة هكذا كما استخدمها "مرزوق".
ولا نستطيع إغفال براعة العملاق "محمود مرسي/ الريس مرسي) في تجسيد حالة الإنسان الواقع في براثن الشكوك والهواجس النفسية، وقد عبّر، باقتدار لا يباريه أحد فيه، بالصمت في أكثر من مشهد، وهو صمت يستأهل أن يدرسه كل من يعمل في مجال التمثيل، كذلك كان دور "سعاد حسني" تجسيدا حقيقيا للإغراء الطبيعي المعتمد على النظرة والملامح والحركة وليس العُري والمجون.
"زوجتي والكلب" تُحفة فنية متكاملة فعلا، وتجسيد حقيقي للأفلام التي تعالج موضوعا نفسيا بأساليب تجديدية غير مستهلَكة كالتلميح والرمز والصمت والصورة، وهو ما يظهر بجلاء منذ لقطة الفيلم الأولى (افتُتح الفيلم بلقطة ستارة في غرفة الريس مرسي تخترقها اﻷضواء).