السبت 23 نوفمبر 2024 م - 21 جمادى الأولى 1446 هـ

"البائع المتجول".. رحلة أصغر فرهادي الجديدة نحو الأوسكار

الثلاثاء 09/مايو/2017 - 03:17 م
The Pulpit Rock
دعاء حلمي
 

هاهو الكاتب والمخرج الإيراني "أصغر فرهادي" يعود من جديد إلى صدارة المشهد السينمائي العالمي بفوزه بجائزة الأوسكار أفضل فيلم أجنبي وهو الأوسكار الثاني له بعد نيله لذات الجائزة في عام 2011 بفيلم "انفصال".  

يقدم لنا من خلال فيلمه "البائع المتجول" من بطولة شهاب حسيني، ترانة علي دوستي، بابك کريمي، وجبته المتقنة وهي الدراما السيكولوجية لتشريح الجوانب الخفية السياسية والاجتماعية للمجتمع الإيراني الغامض والمغلق في ذات الوقت، مستخدماً مفرداته المميزة من صورة واقعية وألوان وإضاءة طبيعية، وشريط صوت يندر استخدام الموسيقى التصويرية فيه، وأداء تمثيلي ينتقل بسلاسة من البساطة إلى التعقيد تصاعدياً، مع تعقيد الأحداث ليتيح للمشاهد أكبر دفقة شعورية من التوحد مع أبطاله دون أدنى إحساس بالتورط المصطنع مع الحالة العامة للفيلم.

وكعادة "أصغر فرهادي" أيضاً فإنه يختار دور البطولة للقصة الإنسانية للإنسان المهمش الباحث عن حياة كالحياة، ولكنه يفشل في أن يكون مجرد إنسان ليجد نفسه عالقاً في حياة على وشك الانهيار دون أي قدرة منه على المقاومة لتغيير قدره المحتوم، وهنا سعى الى خط آخر موازي، يعبر به عن المعنى الفلسفي لقصته، فظهر كخط موازي متصاعد طوال الأحداث الرئيسية للفيلم وهو خط مسرحية "موت بائع متجول" للكاتب أرثر ميلر، حيث يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي للمسرحية التي  تتناول حياة رجل مبيعات بائس يدعى ويلي، وأسرته المكونة من زوجة وولدين يافعين. يقع ويلي فريسة اكتئاب متزامن مع أزمة منتصف العمر، ويشعر أنه لم يحقق شيئًا في حياته على الإطلاق، ويخشى أن إبنه الأكبر بيف لن يحقق أي إنجاز في حياته هو الآخر، فيقرر إنهاء حياته ليحصل أولاده على مبلغ التأمين.

أما الجانب الموازي وهي قصة بطلي الفيلم "عماد ورنا" الزوجين اللذان يبدأ بهما الفيلم عندما يضطروا لإخلاء منزلهما على عجالة لأن المنزل تصدع نتيجة إحدى الزلازل القوية التي ضربت إيران ، ويعمل كلاهما كممثلين في إحدى المسارح المتواضعة ويقومان بأداء الشخصيات الرئيسة لمسرحية "موت بائع متجول"، ليظل الخطين الدراميين للمسرحية والفيلم يتشابكان ويتقاطعان في عدد من المشاهد، فاختياره للمسرحية وكأنها حال أبطاله المهمشين عند بلوغهم الشيخوخة في رؤية مستقبلية لما سيؤول إليه حالهما كملايين المهمشين ليس على أرض إيران وفقط ولكن في كل بقاع الدنيا.

وينتقل بطلي الفيلم "عماد ورنا" إلى منزل مؤجر كانت تقطنه إحدى السيدات، تاركة إياه وقد خزنت أغراضها في إحدى حجرات الشقة، وأنه كان من المخطط أن تأتي قبل استلامهما الشقة لتنقل محتويات الغرفة، إلا أنه حدث ما عطّلها عن استئجار شقة جديدة، وقد تحتاج عدة أيام لتأتي من أجل نقل أشيائها وهو ما يستفز الزوجان، ويقرران فتح الحجرة ونقل أغراض السيدة إلى السطح، حتى تقع حادثة تقلب حياتهما الى الأبد عندما يرن جرس الباب يومًا و"رنا" وحيدة في المنزل، تظن أن عماد أسفل العمارة، فتفتح باب الشقة وتدخل الحمام لتكمل استحمامها بعد ساعات يعود عماد للمنزل فيجد زوجته ممدة على أرض الحمام والدماء تسيل من رأسها، يهرع بها الى المستشفى ليكتشف انها تعرضت للإعتداء من أحد الغرباء، ولا نعرف ما هي أبعاد هذا الأعتداء وهل وصل الى الاغتصاب الجسدي أم لا، ولكن المعتدي يترك خلفه سلسلة مفاتيح وسيارة ومبلغ مالي هارعا بسرعة إلى الخارج وترفض "رنا" إبلاغ الشرطة فهي لا تعرف اي مواصفات للمعتدي تقود لمعرفته فيقرر زوجها "عماد" البحث بنفسه عن هذا الشخص الذي تسبب في تدمير زوجته نفسياً، وبالفعل يصل إليه ليفاجأ به رجل مسن ذهب الى بيت "عماد" ظناً منه أن السيدة التي كانت تسكن في الشقة لازالت هناك لنكتشف انها لم تكن سوى عاهرة متعددة العلاقات وان هذا المسن لم يكن سوى أحد زبائنها.

وهنا يصبح البطلان في أزمة بين رغبتهما العارمة في الانتقام منه وبين إحساسهما العفوي بالتعاطف معه كرجل مريض مسن لديه أسرة يخشى عليها من الفضيحة لفعلته المشينة، لينتهي الفيلم بوفاة المسن بأزمة قلبية من أثر الموقف وحدوث شرخ عميق بين "عماد ورنا" لأنها تعاطفت مع الرجل وترى أن زوجها تسبب في وفاته. وبين تلك المشاعر المتضاربة تمكن المخرج "أصغر فرهادي" أيضاً من إيصال رسائله المشفرة بمزيد من الواقعية معبراً عن مدى التخبط الذي يسكن المجتمع الايراني الذي أوشك على الإنهيار فهو يعيش الأن مرحلة التصدع التي تنبيء بالسقوط.  

 

تقييم الموضوع

تعليقات Facebook


تعليقات البوابة الوثائقية