"جان دارك مصرية" .. بطلة خرافية وحكايات مبتورة
قليلة هي الأفلام التي أخذت على عاتقها
التنقيب في المشاكل التي تواجه الفتاة المصرية وهي تكافح من أجل تحقيق أحلامها
والتحرر من التقاليد والقيود التي فرضت عليها، وكشفت النقاب عن القمع الذي تتعرض
له هؤلاء الفتيات اللائي لم يستسلمن لواقعهن، من قبل مجتمع ذكوري ينظر إليهن كناقصات عقل أو مخلوق من
ضلع أعوج لا تصلح لشيء سوى السمع والطاعة والانصياع للتقاليد، ومن تشذ منهن عن هذه
القاعدة وجب عليها التقويم ولو بالعنف أو النبذ إلى الأبد. تحاول المخرجة أيمان
كامل من خلال فيلمها الوثائقي الطويل "جان دارك مصرية"، الذي عرض في
افتتاح أسبوع جوتة للأفلام، الكشف عن نماذج لهؤلاء الفتيات اللائي قررن أن يخضن
معركتهن الخاصة، والتمرد على أنفسهم أولاً ثم على كل ما أو من يحاول أن يكون سداً
منيعاً بينهم وبين أحلامهم، واختارت مجموعة من الفتيات اللائي يمارسن الفن بشكل
خاص، وقامت بالربط بين ثورتهم وثورة 25 يناير التي شارك بعضهن في أحداثها سواء كان
بالنزول إلى الميدان أو بالغناء أو بتصوير ما يحدث في الشارع وبثه على الإنترنت.
مزجت إيمان بين رحلة البحث عن ذاتها في بيت
عائلتها المهجور بعد غربة دامت لما يقرب الخمس وعشرين عاماً وبين قصة خيالية عن
فتاة بدوية تدعى (جيهان) تعيش في الصحراء، أرادت أن تكون راقصة مثل أسلافها قبل أن
يصبح الرقص محرماً في قبيلتها، فهربت من عشيرتها إلى القاهرة لتحقق حلمها، ووجدت
المخرجة مذكراتها وذهبت إلى القاهرة بحثاً عنها ومتابعة قصتها. في رحلة بحثها في منطقة وسط البلد بالتحديد
تلتقي إيمان بهولاء الفتيات التي تقول أنهم أصدقاء جيهان، وارتبطوا بها بشكل أو
بآخر، واعتنوا بها حينما أعتقلت أثناء الثورة وعذبت، ولكن بدلاً من أن يقوم هؤلاء
الفتيات بالحديث عن جيهان أو الإدلاء بمعلومات عن مكانها، وهل قامت بتحقيق ما
أرادت، يقمن بالحديث عن مشاركتهم في الثورة وعن أنفسهم. وبرغم أن الفيلم يتطرق إلى
موضوعات هي تابوهات في المجمتع المصري مثل خلع الحجاب وممارسة الرقص واستقلال
الفتيات بحياتهم عن الأهل، إلا أن كثرة عدد أبطال الفيلم والتأرجح بين قصصهن وذكرياتهن
عن الثورة وقصة جيهان جعلت من تحدياتهن سطحية وغير واضحة المعالم، ولم تستطع أن
تستوضح لب المشاكل التي تعرضن لها وهم
يحاولن إثبات ذواتهم أمام ذويهم أو في مواجهة المجتمع، وما هي المعارك التي كان
عليهم خوضها للوصول لغايتهم، وهل حققوا ما أرادوا أم لا. ربما كانت أوضحهم مثالاً
هي دينا الوديدي التي تكلمت عن تجربتها كاملة حتى احترفت الغناء، لكن شهادات
الأخريات لم تكن إلا أحاديث مبتورة لشخصيات مشوشة.
ورغم أن أحداث الفيلم تدور في منطقة وسط
البلد، ويبدو ذلك جلياً من تتبع الكاميرا للفتيات أثناء سيرهم في الشارع، لكن مثل
الطبيب النفسي الذي يترك مريضه يتحدث في
الوضعية التي يشعر معها بالراحة والاطمئنان، قامت المخرجة بالتصوير مع بطلاتها وهم
يتحدثن عن أنفسهن في أكثر الأماكن أمناً وسلاماً بالنسبة لهن، فالراقصة في صالة
التدريب الخاصة بها وفنانة أشغال النحاس حيث تعمل على قطعها الفنية في بيتها
والمغنية في غرفة طفولتها التي تشعر فيها أنها العالم الذي تمتلكه، ولم تكن حريصة
على التركيز على ملامحهن أثناء الحديث لكن اهتمت بتفا صيل مختلفة مثل حركة الأيدي
والجسد ووضعية الجلوس وظلالهن أو ظلال الأشياء التي يمسكن بها، وكأنها تحاول أن
تستقرأ المشاعر التي يستدعيها الحديث عن تجاربهم مع المشاركة في الثورة و الاعتقال
وخلع الحجاب وردود أفعال الأهل تجاه قراراتهم.
مزج إيمان بين شهادات هؤلاء الفتيات وبين لوحات تشكيلية تعبر عن نساء يدعمن بعضهن بعضاً أو يتشاركن الحديث، ورقصات تعبيرية قامت أحد هذه الفتيات بتأديتها في أحد الاستديوهات وعلى سطح أحد المباني بين الركام والمهملات، والمقاطع الشعرية التي ألقتها المخرجة بنفسها كفواصل بين شهادات الفتيات وغناء الوديدي أضفى على الفيلم طابعاً شاعرياً منسجماً مع الجو الإسطوري لحكاية جيهان، لكن الاستغراق في هذا الأسلوب والاهتمام المبالغ فيه بالجانب الشكلي على حساب صقل الفكرة وسبر غور المضمون نتج عنه شخوصاً باهته لا يمكنك أن تضع يدك على جذور مشكلتها أو تتماهى مع قضيتها، أو تتمكن من تكوين فكرة محددة عن ما تعانيه أو تناضل من أجله.