"Split".. عندما يتصارع العالم في جسد واحد
داخل كل منا شخوص
عدة تحيا في إطار تلك الشخصية المجسدة بأبعادها الفيزيائية، سواء من الناحية
العلمية التشريحية، حيث يحمل الرجل كروموسومات نسوية والعكس أيضا، أو من الناحية
النفسية، ففي أعماق النفس البشرية يقبع الطفل والمجنون والسوي واللااخلاقي
والمتدين ومن كل هذه الأبعاد المتعددة يظهر ملمح لكل منهم بالتبادل تبعأ للمواقف
الذي يتعرض له الإنسان في مشوار حياته.
كان هذا هو
المورال لفيلم Split أو "الانقسام"
الذي يتناول موضوع حيوات لشخصيات متعددة داخل الإنسان الواحد ولكن من زاويتها
القصوى من خلال شخصية "كيفين" المصاب بمرض الشيزوفرينيا أو انفصام
الشخصية الحاد، حيث تعيش بداخله 23 شخصية مختلفة الصفات ولكل منهم اسماً محدداً،
فهناك شخصية "باري" الأكثر اتزاناً نفسياً، وهناك شخصية "دينيس" الذي يتميز بحزمه الشديد وحبه
المبالغ فيه للنظافة، و"باتريشا" المرأة الحنونة، و"هاوديج"
الطفل ذو التسعة أعوام، والشخصية الخفية التي تظهر في مشاهد الفيلم الأخيرة، وهي
شخصية "الوحش" كما أطلق عليها البطل "كيفين" لما لديها من
قدرات خارقة في افتراس لحوم البشر.
تظهور هذه الشخصيات بالتبادل تبعاً للموقف الدرامي وهو ما يمكن تمييزه
بسهولة مع تقدم الفيلم، وهو ما يعود في الدرجة الأولى إلى الممثل البارع "جيمس ماكافوي" بطل
الأحداث التي تبدأ بواقعة اختطافه لثلاث فتيات بعد الاعتداء على والد إحداهن وهي
"كلير" التي تلعب دورها الممثلة "هالي لو ريدشاردسون"، ليقود السيارة
بها وزميلتيها "كايسي" والتي تقوم بدورها الممثلة "آنيا تايلور"،
و"ماريا" التي تلعب دورها الممثلة "جيسيكا سولا"، إلى قبو
يعيش فيه كيفين ملحق بحديقة الحيوانات، وهناك تبدأ شخصياته المتناقضة في الظهور،
وهو ما يثير هلع الفتيات لأنهن أدركن أن الأمر أكثر تعقيداً من كونه مجرد مختطف
لكنه يعاني من مرض نفسي يزيد الوضع تأزماً.
وعلى الجاني الآخر يتواصل
"كيفين" مع طبيبته النفسية "فليتشر" التي تلعب دورها الممثلة "بيتي
بوكلي" وهي متخصصة في علاج مرض اضطراب الشخصية الفصامي، والتي يحرص على زيارتها
بصفة دورية للحديث عما يمر به، وبعد عملية الخطف يرسل "كيفن" بريدا إلكترونيا
إلى الطبيبة فليتشر يطلب اجتماعا عاجلا معها في بيته، وبالفعل تذهب إليه هناك،
فيصرح لها ان شخصية "الوحش" على وشك الظهور، وتلاحظ هي احتجاز الفتيات
انفراديا ولكن بعد فوات الأوان فقد ظهر الوحش بالفعل وتملك من "كيفين"
وأصبح هو المسيطر وصاحب الكلمة العليا عليه، وبالفعل يقتل الطبيبة وبعدها يتجه إلى
الفتيات ليفترسهن تباعاً ، حتى يأتي دور"كايسي" ليفترسها ولكنها تصبح
الناجية الوحيدة بسبب تعرضها للاعتداء الجنسي من قبل عمها في طفولتها المبكرة
وانتقالها للحياة معه بعد وفاة والدها لتصبح أسيرة له يقدم على تعذيبها لرفضها
الخضوع له ، وهي ما يظهر في لقطات مقحمة على قصة الفيلم الأصلية لتصبح علامات
التعذيب المستترة تحت ملابسها هي طوق نجاتها فقبل أن يلتهما كمثيلاتها يرى تلك
العلامات ويشعر نحوها بنوع من التوحد فهي عانت من طفولة معذبة كما عانى هو على يد
والدته في طفولته فيتركها ويهرب لتظل قضيته مفتوحة.
ينتهي الفيلم بمشهد محير وهو جلوس الممثل القدير بروس ويليز في أحد المقاهي،
يحمل شارة باسم "دان"، يشاهد حديث إحدى المذيعات عن "باري"
الذي تملكته شخصية الوحش ذات القدرات خارقة بسبب إيمانه بذلك، وأنه قد تعرض خلال هرب
الفتاة الثالثة لطلقات نارية لم تؤثر فيه، وأن الإعلام أطلق عليه اسم "وحش المجموعة"،
وتعلق إحدى الفتيات على الإسم متذكرة أحد الأفراد في الماضي الذي أطلق عليه الإعلام
اسمًا غريبًا أيضًا وكان يحمل الصفات نفسها وأعراض المرض النفسي، فيعلق الفنان بروس
ويليس عليها قائلاً: «السيد الزجاجي».
وتفسير ذلك المشهد أن مخرج الفيلم
"نايت شايالامان" قام بالعودة إلى فيلم "غير قابل للكسر" بطولة
بروس ويليس، الذي كان يتحدث عن بروس ويليس الناجي الوحيد من حادث قطار، والذي تحاول
فيه شخصية أخرى تدعى "السيد الزجاجي" -المريض النفسي بشخصيته الداخلية فائقة
القدرات- إقناعه بأنه بطل خارق؛ ليقوم له بالأعمال التي لا يمكنه فعلها لكونه مصابًا
بمرض هشاشة العظام، ولكنه مقتنع أنه البطل الزجاجي الحقيقي غير القابل للكسر، وبالفعل
تحول ديفيد إلى رجل خارق بسبب اقتناعه التام بذلك.
وقد تمكن الفيلم رغم تكلفته المتواضعة نسبيا والتي تصل الى 9 مليون دولار
فقط ان يتربع على المراكز الأولى في
"بورصة الافلام" محققاً 150 مليون دولار في ثلاثة أسابيع ليضاف كعلامة
فارقة لكل من مخرجه "نايت شايالامان" لايقل قوة عن فيلمه "الحاسة
السادسة"، وبطل الفيلم "جيمس ماكافوي" الذي انتقل بين شخصياته المختلفة
بكل سلاسة ورشاقة، ما لا يجعل هذا أفضل أداء له في مسيرته المهنية فحسب، بل يساعد أيضاً
على جعل كيفن أحد أفضل الشخصيات الشريرة التي نشهدها في هذا النوع من الأفلام منذ زمن
طويل.