"اغتصاب.. أسلوب حياة" .. الواقع مجسداً في أقسى صوره
كثيرا ما تقع الأفلام المستقلة في شرك الأحداث المهلهة والصورة المهزوزة والأداء التمثيلي المرتجل دون ضوابط فنية، وهو ما يعزيه الكثيرين إلى طبيعة التجربة قليلة الإمكانيات المادية وقلة وسائل الإخراج الفني للمنتج، ولكنه أبدا لم يكن المبرر الحقيقي لأن الإبداع والموهبة لا يشترطان أبدا وفرة تلك الإمكانات ولكن كان الفقر الحقيقي دوما فقرا في العملية الإبداعية ذاتها وهو ما نراه متجسدا في حالة المخرج الشاب فادي نور القادم من الأسكندرية حاملا معه قواعد جديدة للعبة الفن السينمائي المستقل في جرابه المليء بتجارب قصيرة لعدد من الأفلام منها "الخاتمان" ، "كوكا"، وعفريت" ،"عمارة رشدي"، "المخرج مش عاوز كده"، "فوتوغرافيا" وجميع أحداثها تدور في الشارع السكندري، ليختتم تجاربه النابضة بالإبداع الحر فيلمه الاخير "اغتصاب .. أسلوب حياة" والذي لا يمكن اعتباره فيلما قصيرا أو فيلما روئيا طويلا سواء من ناحية التوقيت الزمني للفيلم لأنه يدور في 60 دقيقة، أو من ناحية أسلوب السرد السينمائي فهو يتناول قضية الاغتصاب بمفهومها الأعم من خلال مجموعة من القصص المتداخلة لنماذج مختلفة من شريحة المهمشين في الشارع المصري يتخذون من "الفهلوة" والنصب والسرقة وكل أشكال كسب قوت اليوم السريع ليتطرق بنا الفيلم إلى متلازمة المخدرات والعنف في ارتباط وثيق لا يمكن معالجة أحدهما بمعزل عن الأخر، ليظهر كل أشكال التحرش اللفظي والحسي المباشر وصولا إلى الاغتصاب الذي يقدمه الفيلم كعرض لمرض الجهل والعنف وغياب الأمن والعشوائية التي تضرب حياة 95 نمط انساني يقدمهم الفيلم مستخدما الكاميرا المحمولة المهتزة في غالبية اللقطات للتعبير عن كل تلك الفوضى التي تضرب عمق المجتمع المصري في غياب تام لأي ملمح أخلاقي رغم تضمن الفيلم لكثير من الموتيفات الدينية مثل الحجاب الذي توشحت به جميع فتيات الفيلم، وصوت الأذان في خلفية لقطات تضج بكل أشكال الموبقات، وكذلك رنة تليفون أحد الأبطال في الفيلم، وكلها من التدين الزائف المغلف لكل تفاصيل حياتنا اليومية ليقدم الثالوث السياسي والديني والجنسي في أبسط صورة واكثرها واقعية، ليحمل عنوان الاغتصاب في كافة أشكاله وليس اغتصاب الجسد فقط، لينهي الفيلم جرعته المكثفة بأغنية "لما الأيام تعدي" حاملا بصمات المبدع الشاب فادي نور في كافة تفاصيل الفيلم من تصوير ومونتاج وكتابة واخراج لينبيء بمبدع حقيقي بعيدا عن كافة أشكال المبررات الاستهلاكية لفقر الفن الحقيقي.