"علي معزة وإبراهيم" .. بين سحر الواقع والفانتازيا
اعتاد صناع الأفلام في السنوات الأخيرة وتحديداً بعد
الثورة تقديم الحارة المصرية والبيئة الشعبية على إنها المصدر الأساسي لتصدير
البلطجة والموبقات، وإبراز الشخصيات التي تخرج من هذه الحارة كنماذج عنيفة وانتقامية
نتيجة للقهر الذي تتعرض له على جميع المستويات سواء كان مادي أو اجتماعي. يخرج علي
معزة وإبراهيم عن هذا الطريق ليقدم أيضاً شخصيات مقهورة ولها معاناتها ولكنها
تحاول أن تتعامل مع أزماتها الشخصية وتبحث لها عن مخرج أو مكان في هذا العالم، لكن
ينحرف بهم المسار في نهاية الطريق ليدخلوا إلى عالم الفانتازيا دون مبرر واضح
لذلك.
في التجربة السينمائية الطويلة الأولى لشريف البنداري وسيناريو
أحمد عامر عن قصة إبراهيم البطوط نتتبع رحلة علي معزة وإبراهيم، شابين يقطنان أحد
أعماق حي الدرب الأحمر. يعمل علي تباع على ميكروباص والده المتوفي لأنه يخشى
القيادة، تربطه بمعزته ندى علاقة حب غريبة، يهتم بها كآدمي ويعاملها كخطيبته ويرفض
أن يقول عليها أحد إنها معزة، يأخذها معه في كل مكان ويشتري لها الهدايا، الأمر
الذي يجعله محط سخرية المحيطين به. أما إبراهيم فهو شاب موسيقي موهوب ورث موهبته
الفطرية من جده لأمه، يعاني من مرض وراثي يجعله يسمع أصوات عالية حادة في أذنيه
تفقده السيطرة على نفسه وتجعله يدخل في نوبات أشبه بالصرع. هذا المرض الذي أفقد
جده السمع، وجعل أمه تنتحر في أحد نوباته وهو صغير، يتسبب له في مشكلة في عمله، ويجعله
هو أيضاً منبوذ من أهل الحارة. بعد أن تصر والدة علي (سلوى محمد علي) على اصطحابه
إلى أحد الدجالين، يلتقي علي بإبراهيم عند هذا الدجال الذي يعطي كل منهما كيس به
ثلاث زلطات وعليهما أن يقوما بإلقائها في المسطحات المائية الثلاث بمصر حتى يشفيان
من أمراضهما، ويتفقان على أن يبدءا رحلتهما معاً. الرحلة التي استغرقت الجزء
الأكبر من الفيلم لم تكن بهدف واحد لكلا الشخصيتين فهي بالنسبة لإبراهيم رحلة
البحث عن الخلاص من عذابه الوراثي، لكنها بالنسبة لعلي هي من أجل الترويح عن ندى،
فهو قانع تماماً بحبه لها ولا يهتم كيف ينظر إليه الآخرين.
شخصية علي معزة التي أداها ببراعة وتلقائية علي صبحي، هي
أكثر الشخصيات وضوحاً واتساقاً مع نفسها، كما ساعدت مقومات صبحي الشكلية على أن
تجعله اختيار موفق جداً لهذا الدور. علي معزة برغم نشئته في بيئة شعبية وعمله
كتباع على ميكروباص إلا أنه شخصية رقيقة مرهفة، هذه الرقة يتم تفسيرها ووضوحها
أكثر مع تكشف حقيقة ارتباطه بمعزته ندى في نهاية القصة. هو أيضاً شخص ضعيف في
مواجهة الأزمات حتى البسيطة منها، ويستمد قوته من المحيطين به، وبالتحديد صديقه كماتا
(أسامه أبو العطا)، فحينما يبدأ رحلته مع إبراهيم ويسافران إلى الأسكندرية ويتجمع
الأطفال حول ندى للهو بها نجده يقف مزعوراً ينادي على كماتا، الذي لا يرافقهما في
الرحلة، لينقذ حبيبته من يد الأطفال، ويظهر ذلك أيضاً في مشاهد مطاردة الأطفال له
في الحارة وخطف قبعته. أما شخصية إبراهيم التي أداها أحمد مجدي فتحمل في طياتها جوانب
مظلمة أو حلقات مفقودة تجعلنا لا نتماهى معها بشكل كامل، فبرغم أن شخصية إبراهيم
تطل علينا من أعماق حي الدرب الأحمر، إلا أنها تبدو شخصية نالت قسط أوفر من
التعليم على عكس علي، ويظهر ذلك في طريقة الكلام وبعض الألفاظ والعبارات التي لا
تخرج إلا من شخصية قد نالت تعليم جامعي على الأقل، الأمر الذي يجلعلنا نتسائل هل هذه
مشكلة السينارست أم أنه عدم توفيق من أحمد مجدي في أداء الدور. وبرغم النوبات التي
تزداد شدتها بمرور الوقت من سماعه للأصوات الحادة، إلا أنه لا يحاول التخلص منها
بالذهاب إلى الطبيب والبحث عن سببها، خاصة وأنه مرض متوارث أفقده أمه وسمع جده
وجعل أبيه يهرب بعيداً عنهم، ورد الفعل الوحيد هو ذهابه إلى هذا الدجال واقتناعه
بفكرة الزلطات الثلاث. أما شخصية نور أو صباح (ناهد السباعي) وقصتها الفرعية مع
كماتا فهما دخيلتان على الفيلم ولا وجود لأي مبرر درامي لوجودهما وإذا تم حذف
الشخصية والقصة فلن تشعر بأي خلل.
قدم السينارست أحمد عامر حبكة جيدة ومتماسكة إلى حد كبير
رغم وجود بعض المشاهد غير المبررة في الفيلم وتكرار نوبات الألم التي تصيب إبراهيم
دون أن تقدم جديد، فضلاً عن ابتذال الحوار أحياناً بسبب كثرة الشتائم، أو وجود
عبارات لا تناسب الشخصيات، لكن الفخ الحقيقي الذي وقع فيه السيناريو هو النهاية
التي انحرفت بالأحداث ودخلت بها إلى منطقة الفانتازيا والأساطير والتى ربما كان
هناك مغزى لها إذا كانت القصة قد أخذت هذا المنحى منذ البداية، ليجعل من ندى
المعزة البطل الحقيقي للفيلم دون سبب واضح.