الخميس 02 مايو 2024 م - 23 شوال 1445 هـ

"ولاية جونس الحرة" وأكذوبة وثيقة لينكولن لتحرير العبيد

الإثنين 19/ديسمبر/2016 - 11:10 ص
The Pulpit Rock
نضال ممدوح
 

عبر مشهدين متتاليين يختتم بهما المخرج جاري روس فيلمه الأحدث Free State of Jones "ولاية جونز الحرةيفضح التمييز العنصري لدولة الديمقراطية والحريات الأكبر في العالمفي المشهدين يتطابق مصير الحفيد"دايفز نايتمع جده "نيوتن نايتوالذي أداه الممثل ماثيو ماكهونيفكما لم يستطع الجد تسجيل زواجه الرسمي من (راشيل)٬ فيهديها 160 أكرا من الأرض٬ لتصبح واحدة من عدة نساء سود قليلات يمتلكن أراضا في الجنوب٬ كذلك الحفيد (دايفز) الذي قضي عقوبة الحبس لمدة سنوات بعد إدانته بانتهاك قوانين التمييز العنصري في ولاية ميسيسبييفصل بين الجد وحفيده 85 عاما لم تتغير فيها الممارسات العنصرية ضد الأفروأمريكان٬ فمنذ أواسط القرن التاسع عشر ـــ الزمن الذي عاشه الجد ــ إلي أواسط القرن العشرين لم تتوقف انتهاكات حقوق المواطنين الأفروأمريكان . رفض (دايفز) عقد صفقة مع المدعي العام لإيقاف (زواج غير مناسبمقابل إسقاط كل التهم الموجهه إليه٬لا لشيئ سوي أن عروقه تجري فيها دماء جدته الخلاسية. 

استند الفيلم إلي قصة حقيقية حول (نيوتن نايت) الهارب من الجيش الكونفدرالي بعدما قتل ابن شقيقته والذي أجبر علي خوض الحرب وهو صبيوكان مشهد فراره إلى قريته شديد الروعة٬ التي خلت من الرجال ولم يعد فيها غير النساء الذابلات٬ مترهلات الأفخاذ والأثداء نتيجة أعمالهن الشاقة التي كان عليهن القيام بها لغياب الرجال٬ من أول زراعة محصول الذرة ورعايته ومن ثم حصده٬ إلي أن ينتهي بهن المطاف بسلب ثمرة كدهن وتعبهن علي أيد جنود الجيش الكونفدرالي٬ الذين يسطون علي القرية ويأخذون كل ما في طريقهم من طعام وملابس بالقوةحتي عندما يمرض الأطفال لا يوجد طبيب يعتني بهم، فكل الأطباء ذهبوا لمرافقة الجنود في الحرب.

يرصد الفيلم سيرة (نيوتن نايت) وهربه إلي المستنقعات حيث السود الهاربين من العبودية. لم يكن هروب نيوتن عن جبن أو تخاذل٬ إنما رفض للمنظومة الاستعبادية في وجهيها الشمالي والجنوبي٬ فالولايات الشمالية التي شنت الحرب تحت دعاوي تحرير العبيد السود٬ لم تخضها من أجل مبادئ إنسانية سامية٬ إنما لتنزع من ولايات الجنوب عماد قوتها الاقتصادية ألا وهم السود٬ في الوقت ذاته رفض نيوتن منظومة الجنوب التي تستعبد الأمريكي الأبيض بالقروض والديون ونزع الملكيات الزراعية عند الفشل في تسديدها، وهو ما حدث معه شخصيا ومع العديد من المزارعين الصغار٬ وكيف يستولي الثري الإقطاعي، إذا جاز التعبير علي محاصيلهم الزراعية٬ إلي أن ينتزع بيوتهم ومزارعهم ليصبحوا عراة من أي شيئ، وهو ما كشفه الحوار ما بين نيوتن ووود الذي أراد أن ينكص علي عقبيه فيقول له (نيوتن) "أنا وأنت نحارب من أجل الأثرياء٬ أتريد أن تكون عبدا يا (وود)؟ هل عرفت ما يقاتل السود من أجله؟".

 تمرد نيوتن علي تلك المنظومة لم يختلف في أسبابه عن أسباب هروب (موزس) المرة تلو الأخرى من سيده التي وصلت في آخر محاولة إلى حرمانه من أسرته. وكان مشهد شنق الثلاثة صبية البيض الصغار علي جزوع الأشجار من أقوي المشاهد التي حملت تلك الدلالة.

 بعد جولات صراع طويلة ما بين جماعة نيوتن والجيش الكونفدرالي ينجح نيوتن في إعلان ولاية جونز مستقلة٬ علي أن الأمر لم يخلو مما يعكره٬ فبين جماعة نيوتن كان هناك عدد غير قليل ممن يرون في الأفروأمريكان مجرد عبيد لا يتوقفون عن مناداتهم بـ (الزنجي)، مما حدا بنيوتن أن يلجأ لصديق قانوني٬ ليكتب ما يشبه إعلان دستوري يؤسس علي الحريات والواجبات في ثوب إشتراكي٬ من أهم ما جاء فيه علي لسان نيوتن: لا أحد في الولاية سيصبح ثريا٬ لن يخبر رجل آخر ما عليه أن يعيش من أجله أو ما سيموت من أجله٬ ما تضعونه في الأرض هو لكم حين تحصدونه لا أحد يمكنه أن يأخذ هذا منكم٬ كل رجل هو رجل، إذا كان لديك قدمين فأنت رجل الأمر بسيط، وهذه الأخيرة في إشارة إلي الأفكار والممارسات العنصرية التي لم تجتث من جذورها في ولاية جونز بعد .

لم يكن إنهاء العبودية هدفا للحرب، لكن تغير ذلك في 1862، عندما أصدر الرئيس أبراهام لنكولن إعلان التحرير المبدئي الذي نص على تحرير العبيد الموجودين في تلك الولايات أو أجزاء من تلك الولايات التي لا تزال في حالة تمرد اعتبارا 1863. وبعد مائة يوم من ذلك، أصدر لنكولن إعلان التحرير معلنا ن جميع الأشخاص المحتجزين كعبيدفي المناطق المتمردة "هم ومن الآن فصاعدا أحرار". كانت خطوة لينكولن الجريئة إجراء عسكريا أمل من ورائه أن يلهم العبيد في الكونفدرالية بدعم قضية الاتحادونظرا لكونه تدبير عسكري، كان الإعلان محدودا من نواح عديدةفهو لا ينطبق إلا على الولايات التي انفصلت عن الاتحاد، وترك الرق على حاله في الولايات الحدوديةوعلى الرغم من أن إعلان التحرير لم ينه العبودية، فإنه حول طبيعة الحرب بشكل أساسيومن ذلك الحين بدأ الجيش الاتحادي في قبول الرجال السود في به وفي البحرية،         وعند نهاية الحرب، كان ما يقرب من 200 ألف من الجنود والبحارة السود قد حاربوا من أجل الاتحاد والحرية.

 انتهت الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1865 وأصبحت وثيقة تحرير العبيد مجرد حبر علي ورق٬ وهو ما رصده الفيلم في اختطاف ابن (موزس) لينضم للعمل الإجباري في حقل الثري الإقطاعي٬ وحينما يذهب ونيوتن لإحضاره يجرهما الثري إلي المحكمة بتهمة "التدخل في قانون التدريب للطفل الزنجيوالذي يعد انتهاك صريح لقانون ولاية ميسيسبي. لا يستطيع (موزس) تخليص ابنه إلا بعدما دفع نيوتن مبلغ مالي كبير للثري. وفي مشهد آخر تطارد جماعة "الكلوكس كلان" موزس بعدما استشعروا خطورته علي السود وحثهم علي ممارسة حقهم في التصويت. لم ينجح شنق (موزس) فوق شجرة بعد قطع أعضائه التناسلية٬ في إرهاب الأفروأمريكان، بل تقدمهم (نيوتن) في مسيرة ضخمة إلي لجنة الانتخابات ونجحوا في ممارسة حقهم الدستوري لأول مرة .     


تقييم الموضوع

تعليقات Facebook


تعليقات البوابة الوثائقية