الجمعة 26 أبريل 2024 م - 17 شوال 1445 هـ

مترجم: العنف في أفلام هيتشكوك (الجزء الأول)

الخميس 15/ديسمبر/2016 - 12:29 م
The Pulpit Rock
أروى تاج الدين
 
نشر هذا المقال في موقع The Taste Of Cinema للكاتب جوزيف دي جريجوريو، ونظراً لطول المقال سوف يتم نشر ترجمته على جزئين. 

    هناك الكثير من الكتب والمقالات والدراسات الأكاديمية التي تناولت أفلام المخرج العظيم ألفريد هيتشكوك. بعض من هذه المنشورات، مثل كتاب إعادة النظر في أفلام هيتشكوك لـ روبين وود، ونظرة طويلة متعمقة في فيلم المريض النفسي لـ رايموند دورجانت، أصبحت مصادر تزودنا برؤية  ساحرة عن أسلوب المخرج الفريد في صناعة الأفلام، مثل استخدام عدسة الكاميرا في رواية القصة بدلاً من التركيز على ملامح الممثلين (كثير من الممثلين الذين عملوا في أفلامه أشتكوا أن هيتشكوك نادراً ما كان يقوم بتوجيههم أثناء التصوير).  

هناك أيضاً كتابان للمؤلف دونالد سبوتو هما: (الجانب المظلم للعبقرية: حياة ألفريد هيتشكوك)، و(مفتون بالجمال: ألفريد هيتشكوك وبطلاته) يقدمان رؤية خاصة لشخصية هيتشكوك، ويشرحان كيف كانت أفلام العبقري الوحيد المحبط، في كثير من النواحي، هي تحقيق لأمنياته شخصية.  

كان الممثلون في أفلام هيتشكوك بدائل له، خاصة كاري جرانت وجيمس ستيورات، الذين كانوا يقومون بأداء دور الرجل المحب المتفاعل مع المرأة الجميلة المتألقة، ويواجهون المواقف الصعبة بكثير من الثقة والاعتداد بالنفس. هيتشكوك كان مدركاً لسمنته المفرطة التي لازمته طوال حياته وعدم استطاعته التحكم بها، وكثيراً ما كان يسخر من نفسه أمام الآخرين، والقليلين الذي استطاعوا التقرب منه يصفونه بأنه كان وحيداً وكارهاً لنفسه. ولحسن حظنا استطاع هيتشكوك إدراج مشاعره هذه في أعماله وإعطاء العالم أفلام ممتعة لا تنسى أستطاعت أن تحقق المعادلة الصعبة في أن تكون أفلام ذات قيمة فنية وجماهيرية في الوقت ذاته. في أحياناً كثيرة كان يتجلى كرهه لنفسه بعنف من خلال سخطه تجاه البطل الوسيم والبطلة الجميلة الجذابة في أفلامه. فبرغم أنه كصانع أفلام كان قادراً على وضع بطلاته في شخصيات صادقة وجذابة رغم قلة معرفته وخبرته بالجنس الآخر، إلا أنه بسبب مشاعره تجاه نفسه والعالم، كان منذ بداية عمله في السينما يسيء إلى الممثلات اللائي عملن معه ومن ساعدوه في صنع أفلام لا تنسى. وحينما أدرك أن كلا من الرومانسية أو التحرش الجنسي لن يكونا قادرين على إرضاء رغباته، قام بالتخلي عن سوء معاملة بطلاته. بعض الممثلات كن يتعرضن لمزحة غرفة تغيير الملابس، ويوجد على اليوتيوب فيديو لأحد هذه الدعابات: فأثناء اختبار التصوير للمثلة آني أوندرا، قام هيتشكوك بالتحدث إليها في نهاية الاختبار بطريقة فاحشة حتى يجعلها تسترخي أثناء التصوير، لكن الأمر لا يسير بهذه الطريقة مع الجميع وقد اعتبرت بعض الممثلات أن هذه الدعابة نوع من التحرش الجنسي الأمر الذي أدي إلى وقوع خلاف بينهن وبين هيتشكوك. كثير من الممثلات رفضن التعامل معه مرة أخرى بعد أول تجربة لهم رغم معرفتهن أن العمل مع هيتشكوك سوف يساعدهن كثيراً، فهو منتقم ومازح قاسي وحاقد، وفي أسوأ حالاته يكون غير مبالياً بالممثل أثناء تصوير الفيلم، الأمر الذي يجعلهم يفسرون صمته بأنه عدم رضا عن أدائهم.

يكمن خلف شخصية هيتشكوك الشهوانية عقل معقد وغني بالمعرفة. فقد كانت نشأته كاثوليكية، وقد توجه مباشرة بعد إنهاء دراسته للعمل في صناعة الأفلام في انجلترا. هيتشكوك قارئ نهم وبسبب ذلك أصبح واسع المعرفة في مجالات عدة، ورؤيته التي كونها من قراءاته وأبحاثه شكلت موضوعات الكثير من أفلامه. يعد هذا المقال دراسة عامة عن هذا المخرج الموهوب والمضطرب، من خلال تقديم مشاهد مفتاحية من خمسة من أروع أفلامه لتكون تفسيراً لما نعرفه عن هيتشكوك.

1-      الشمال من الشمال الغربي 1959: الجنس، الرجل الخطأ، المرأة المخادعة، الأم، المثلية:

ينحرف قطار ركاب شركة القرن العشرين داخلاً إلى النفق في نهاية الفيلم مباشرة بعد قيام روجر ثرونيل (كاري جرانت) بسحب إيف كيندال (إيف ماري) إلى السرير العلوي لتنضم إليه إشارة إلى دخولهما في علاقة جنسية.

كيندال أيضاً لا تقوم فقط بخداع ثرونيل في بداية الفيلم، ولكنها أيضاً تتسبب في تعرضه للقتل مرتين.

 روجر ثرونيل في مهمة بحث عن ليستر تونسيد في ولاية لونج أيلاند، يتهمه فيليب فاندام وشريكه ليونارد خطأ بأنه العميل الحكومي جورج كابلان. يصيب فاندام السأم من إنكار ثرونيل أنه مابلان، يسأل ليونارد "ليونارد، هل التقيت بضيفنا العزيز؟". في هذا المشهد الذي أخرجه هيتشكوك ببراعه، يقوم ليونارد بالنظر إلى ثرونيل من رأسه إلى أخمص قدميه مجيباً " إنه الشخص المناسب تماماً، صحيح؟". في هذه اللقطة تخبرنا الكاميرا بوضوح عن إنجذاب ليونارد المثلي إلى ثرونيل. وفي مشهد آخر حينما يفضي ليونارد بشكوكه تجاه أيف وأنه يرتاب في أنها عميل حكومي، يلح عليه في أن يثق في (حدث المرأة) لديه.  

كان مفهوماً من الباحثين في سيرة هيتشكوك أنه كان يشعر بالراحة التامة في العمل مع الممثلين المثليين، وقد استخدمهم في كثير من أفلامه مثل الحبل، وأغراب في القطار، والنافذة الخلفية، والمريض النفسي، وريبيكا). ومع ذلك يعتبر هيتشكوك من نواح عديدة جاهلاً ميئوس منه فيما يخص الجنس، وسوف يتضح هذا أكثر أثناء دراستنا لأفلامه في هذا المقال.  

حينما يتم إلقاء القبض على ثرونيل بسبب قيادته السيارة وهو ثمل بعد أن أجبر على تجرع زجاجة خمر كاملة في شركة تونسيد العقارية، يقوم بالاتصال بوالدته. يجلس رجل الشرطة بجانبه ويطلب له الرقم، ويحاول، مثل الطفل الذي ارتكب ذنباً، إقناع والدته أنه لم يكن يتناول الشراب. لاحقاً حينما يأتي الطبيب ليتأكد ما إذا كان ثملاً حقاً أم لا فيخبره أنه مملوء عن آخره. أمر مضحك ومثير للاهتمام أن رجل ناجح ومستقل يعمل في الدعاية يرفض أن يعترف لأمه أنه ثمل. مثل هذا السلوك الغريب يظهر كثيراً في أفلام هيتشكوك، وقد اتفق باحثي ومؤرخي السينما أن هذه المشاهد كان يكتبها المخرج بنفسه.

2-      إمرأة سيئة السمعة 1946: الأم والجنس.

حينما يشعر هيتشكوك بالراحة مع كاتب أو ممثل فإنه يشاركه العمل في عدة أفلام. فقد عمل معه الكاتب جون مايكل هايز في أربعة أفلام، وتشارلس بينت خمسة أفلام، ومن الممثلات إنجريد بريجمان ثلاثة أفلام وجراس كيلي ثلاثة وتيبي هيدرن ثلاثة وليو جي كارول أربعة أفلام. أما بالنسبة للممثلين الرجال، فعلى الرغم أن هناك كثيرين ممن عملوا معه، إلا أن أبرزهم هم كاري جرانت وجيمس ستيوارت الذي ظهر كل منهما في أربعة أفلام من أهم أعمال هيتشكوك وأكثرهم ذاتية.

كانت صناعة الأفلام بالنسبة لهيتشكوك الذي يجهل ماهية الرومانسية منفذاً لرغباته الداخلية. فقد كانت فكرته عن المرأة المثالية أنها شقراء وأنيقة الملبس، حسنة الخلق وشريفة. ولكن يجب أيضاً أن تمتلك بعداً آخر في شخصيتها. يجب أن تكون دنيئة إذا تطلب الأمر ذلك. تكون من ناحية نقية وصاحبة مبادئ ومن الناحية الأخرى مستعدة لفعل أي شيء مهما كان لترضي رجلها. النساء في أفلام هيتشكوك كن يتورطن مع جرانت و ستيوارت، الرجال الذين يمثلون مظهراً مخالف لهيتشكوك نفسه. كان جيمس ستيوارت في خيال المخرج وأفلامه، معبراً عما كان عليه هيتشكوك في الحقيقة: وحيد ورومانسي وبائس. ليس من السهل أن ننسى مشاعر اليأس التي كان يحملها تجاه كارلوتا فالديز في فيلم فيرتيجو، ومحاولته إعادة خلق شخصية جودي بارتون. وكان كاري جرانت يمثل، بالنسبة للمخرج، الوجه الآخر من العملة، الرجل الذي تمنى هيتشكوك نفسه أن يكونه. فالشخصيات التي قدمها جرانت في الأفلام الأربعة التي عمل فيها مع هيتشكوك كان فيها متزن رابط الجأش، بالغ الثقة في التعامل مع النساء، وأنيق. كان جرانت في أفلام هيتشكوك مثال للرجل النموذجي صعب المنال، والذي كان هيتشكوك يعيش من خلاله الحياة التي كان يتمناها عبر أفلامه الرائعة.

لكننا في فيلم إمرأة سيئة السمعة، سوف نركز على الشخصية التي قدمها كلودي راينس وأمه التي لعبت دورها ليوبلدين كونستانتين.  كونستانتين  التي كانت تظهر،خلال الفترة القصيرة التي عملت فيها ممثلة،  كامرأة عطوفة ومحتشمة وخجولة، ظهرت هنا بشخصية أم سبستيان المسيطرة التي تحسب كل شيء بذكاء، وجعلت كل مشهد لها في هذا الفيلم علامة لا تنسى. أما شخصية سبستيان التي قدمها راينز كانت تعوزها الثقة، غير حازمة، مخنثة، وحاقد على ديفلن (جرانت). ديفلن، عميل حكومي تصفه أليشيا هوبرمان بصديقها السابق البائس وغير السعيد بانفصالهما. ومع ذلك حينما يراه سبستيان يرهبه مظهر ديفلن الرائع، فلا يتوقف عن سؤال إليشيا ما إذا كانت لازالت تملك مشاعر تجاه هذا الرجل.

وافقت إليشيا على الزواج من سبستيان لتساعد حكومة الولايات المتحدة في جمع المعلومات عن مؤامرة جماعته النازية، تلك المؤامرة التي لا يوجد معنى حقيقي لها بالنسبة للمشاهدين سوى أنها تخدم وتحرك فقط القصة الرومانسية لأبطال الفيلم. وبالتالي فإن برجمان في إمرأة سيئة السمعة تتمتع بصفات المرأة النموذج عند هيتشكوك، فهي شخصية سيئة السلوك ومتزنة في الوقت ذاته، أنيقة ولبقة، لكنها سوف تنام مع سبستيان، الرجل الذي لا تحبه من أجل ديفلن.

تقييم الموضوع

تعليقات Facebook


تعليقات البوابة الوثائقية