الجمعة 26 أبريل 2024 م - 17 شوال 1445 هـ

كازابلانكا... الحب و الحرب وجهان لعملة واحدة

الإثنين 21/مارس/2016 - 01:50 م
The Pulpit Rock
رشا حسني
 


في كل مرة أشاهد فيها فيلم كازابلانكا تظل تراودني نفس الأسئلة وربما هي نفسها التي راودتني عند المشاهدة الأولي ولكن أهمها لماذا يحتل كازابلانكا كل هذه المكانة علي مستوي العالم أجمع وعلي مدار كل تلك السنوات منذ إنتاجه وعرضه عام 1942 وحتى يومنا هذا؟، ولماذا تزداد عام بعد أخر فمركزه وتقيمه لا يتراجعان بل يتقدم في المراكز وفي التقييم النقدي؟، لماذا أستمتع به بنفس الدرجة إن لم يكن أكثر مع كل مشاهدة؟، ما هي عوامل تواصل الفيلم مع مختلف الأنواع من الجماهير بمختلف بلدانهم وأعمارهم وخلفياتهم؟ّ!.

 يعتبر فيلم كازابلانكا من الأفلام السباقة في الجمع بين تيمة الحب وتيمة الحرب كلاهما حمال أوجه، يحتضن الكثير من المشاعر، المتعة، الحزن، الفرحة كما أن كلاهما يحتضن بداخله الأمل والألم، حتى وللمفارقة فأحرف كتابتهما تتشابه، حتى أن إليسا أو انجريد برجمان تسأل ريك أو هيمفري بوجارت في أحد مشاهدهما الرومانسية في باريس ومع قرب دخول الألمان باريس "أهي دقات المدافع أم أنها دقات قلبي؟". كما يمكننا الوقوف ولو قليلاً عند مشهد قراءة ريك للخطاب الذي أرسلته له إليسا في محطة القطار بدلاً من أن تحضر بنفسها وهو أحد أكثر المشاهد السينمائية رومانسية ودفئ رغم هطول الأمطار الغزيرة، فيقرأ ريك الخطاب بينما تختفي الكلمات بفعل ذخات المطر ونتساءل أتُمحي الكلمات بفعل المطر فعلاً أم أنها دمعات إليسا أرسلتها لتصحب كلماتها لحبيبها ريك تتشفع لها عنده كي يصفح عنها ويلتمس له عذراً ولو واهياً.


 لعب كازابلانكا علي أوتار الجماهير الكارهة للحرب والآملة في الحب تلك الفترة، أثناء الحرب العالمة الثانية وما كان يفعله هتلر من مذابح واجتياحات لبلدان العالم، كما أنه رصد بدقة وبرهافة في نفس الوقت لأحوال اللاجئين الباحثين عن فرصة للحياة عبر ذهابهم إلي المغرب وبقائهم فيها انتظاراً للحصول علي تأشيرة خروج إما إلي لشبونة وإما إلي الولايات المتحدة الأمريكية، تلك الفكرة الإنسانية العابرة للأجيال وللأزمنة وللأمكنة وللظروف أيضاً، ولا عجب أن تجعل الشركة المنتجة للفيلمWarner Brothers  والتي أعلنت موقفها - الرافض للنازية والمعادي لهتلر وأفعاله - مع اندلاع الحرب أن تجعل ريك الأمريكي أو همفري بوجارت هو النموذج الإنساني الذي يستوعب حاجة الفتاة والشاب حديثي الزاج في الحصول علي تأشيرة السفر ومساعدتهم في الحصول عليها دون أن تضطر الفتاة للرضوخ إلي تسوية القائد رينو الغير شريفة ويجعل شريكها يربح في صالة القمار التابعة لملهي ريك الذي يمتلكه ويديره.


يكرس كازابلانكا لحالة فريدة من التضحية بالنفس من أجل ما هو أسمي وأهم، فيضحي ريك بنفسه وحبه وسعادته فقط لتأكده أنه المناضل الحقيقي لازلو زوج إليسا هو من أحوج لها في تلك اللحظات واكتفي هو بأيامه وذكرياته الرومانسية معها في باريس، فقد عفي إليسا حتى من مرارة الاختيار وعفاها من إحساسها بالذنب الذي توقع أن يصاحبها لو اختارت البقاء بجوارها عن الرحيل مع لازلو المُعادي للنازية والمُقاوم لها كما أنه أيضاً تكريساً ضمنياً لقيم البطولة والمقاومة.
كازابلانكا... الحب


تُجسد شخصية إليسا الكثير من متناقضات البشر الإنسانية التي يتحلى بها أو ببعض منها كثير من البشر مثل عدم القدرة علي اتخاذ القرار، الحيرة والتردد اللذان ما يصاحبان غالباً القرارات المصيرية التي لابد وأن تكون حاسمة، حتى أن المُشاهد لا يستطيع تكوين وجهة نظر واضحة وقاطعة عن شخصيتها وذلك حتى مشاهد الفيلم الأخيرة، فلا يعلم إن كانت تحب ريك وتريد أن تذهب معه أم أنها تحب لازلو  أم أنها فقط تُساند لازلو كنوع من إيمانها بأفكاره وخطواته ورغبتها في مساندة القضايا التي يؤمن بها.

يحتوي كازابلانكا علي عدد لا بأس به من الأقوال التي أصبحت مأثورة فيما بعد والتي عشقها ملايين من محبي السينما ومتابعيها، وهو الأمر الذي يجذب الكثير من المشاهدين لفيلم ما خاصة إن كانت في أماكنها لتؤكد علي دلالة المشهد الذي تقال فيه وهو ما تكرر مع فيلم "Godfather" وجملة "أنا عرضت عليه عرضاً لا يمكنه رفضه". يعلق في الذهن دائماً مشهد ظهور اليسا وحوارها مع سام عازف البيانو طلبت منه أن يعزف لها أغنية " As Time Goes By" وقالت له "اعزفها يا سام .. اعزفها من أجل الأيام الخوالي" أو في المشهد النهائي حينما يقول لها ريك " دائماً تبقي لنا باريس" والتي أصبحت فيما بعد تعبيراً دارجاً عن الأوقات الجميلة واللحظات السعيدة التي نحياها.

كازابلانكا فيلم بدي منذ اللحظة الأولي فيلماً مُختلفاً، فمع بداية الأحداث نكتشف أن أحداث الفيلم تدور في مدينة مغربية ليست في مدينة أمريكية ولا أوروبية علي عكس أفلام تلك الفترة، كما أن معظم أحداث الفيلم تم تصويرها داخل الأستوديو فلا يحتوي علي مناظر جمالية خلابة تخطف الأنظار وتشدهها، كما أن شخصيات الفيلم محدودة جداً ربما يرجع ذلك لطبيعة النص المسرحي الذي أُخذ عنه الفيلم، وليس هو بالفيلم المُبهر تقنياً حتى أنه الفيلم الوحيد الذي يُذكر لمخرجه مايكل كورتيز، ولكنه يظل علامة سينمائية كلاسيكية رومانسية تنبع مواطن جماله من داخله من ربطه للحب والحرب معاً برباطٍ حريري خفي لا نتلمسه إلا لو بحثنا عنه داخل الفيلم ضمن كل جملة حوار أو من خلال نظرة عين مُعبرة، ربما لكل ما سبق لازال وسيظل كازابلانكا هو كازابلانكا.

تقييم الموضوع

تعليقات Facebook


تعليقات البوابة الوثائقية