الخميس 21 نوفمبر 2024 م - 19 جمادى الأولى 1446 هـ

نقد التاريخ الاجتماعي في " موعد على الغداء "

الأحد 18/أكتوبر/2015 - 12:54 م
أمل ممدوح
 
 في إطار الورشة التي تنظمها البوابة وثائقية تحت عنوان "كيف تقرأ فيلمًا " والتي يحاضر فيها الناقد السنيمائي عصام ذكريا ، كتبت المشتركة أمل ممدوح عن الفيلم القصير The Lunch Date:
        للأفلام القصيرة فنيتها الخاصة حيث يتطلب الأمر من مبدعها تقديم فكرة مكتملة مكثفة بشكل فني متكامل أيضا في وقت قصير قد لا يتعدى الدقائق المعدودة في بعض الأحيان ، وتزداد إمعانا في جماليتها حين تشعر أنك في هذه الدقائق المعدودة أُعطيت وجبة فنية مشبعة قد لا يقدمها فيلم روائي طويل ، وفي عشر دقائق فقط هي زمن الفيلم  الأمريكي " موعد الغداء  The Lunch Date  " والذي حاز على جائزة السعفة الذهبية للفيلم القصير في مهرجان كان وغيرها من الجوائز واختير للحفظ في سجل الفيلم الوطني للولايات المتحدة الأمريكية من قبل مكتبة الكونجرس كفيلم ثقافي وتاريخي وجمالي ، حلالها استطاع المخرج آدم ديفيدسون عام 1990 تقديم فيلم قصير استحق ذلك ، مستخدما تكنيك الأبيض والأسود عائدا من خلال فيلمه إلى زمن خمسينات وستينات القرن الماضي تقريبا ، ليقدم فكرة مكثفة مختزلة وبسيطة في نفس الوقت تحمل نقدا للسلوك الأمريكي السائد في ذلك الوقت حيث كانت تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من التفرقة العنصرية بين البيض والسود ، ونقدا للسلوك الإنساني بشكل عام حين لا يفكر الشخص إلا بنفسه وما يؤخذ منه لا ما أخذه حين يفتقر لعملية تبادل الأدوار ويكون التسرع في الأحكام قاموسه الحياتي ، فقدم الفيلم فكرته من خلال سيدة كبيرة السن بيضاء البشرة يبدو عليها الأرستقراطية تصل إلى محطة القطار حيث يبدأ الفيلم ليتسبب اصطدام أحد الرجال السود بها في تعطيلها عن موعد قطارها فتفقده بالفعل وتذهب لتناول غدائها في كافيتيريا المحطة بآخر ما تبقى لها من نقود حيث يحدث سوء فهم بنى عليه الفيلم فكرته ، فبينما تذهب لإحضار شوكة طعام تعود لتفاجأ بأن شخصا أسودا يبدو كمتشرد يأكل من طبق السلطة الذي أحضرته ، فتشاركه الطعام مغتاظة بينما هو هادىء لا يأبه بانفعالاتها بل يشتري له ولها مشروبا بعد الطعام لتفاجأ بعد ذلك بأن صحنها وأشياءها في مكان آخر وأنها من شاركت الرجل طعامه . 

    بسلاسة شديدة وبساطة قدمت فكرة عميقة تبدد أفكارا بالية في ذلك الوقت بالأخص بل في كل وقت بشكل عام ، واستطاع الفيلم محاكاة هذه الفترة بتفاصيلها سواء في الملابس أو في طريقة الكلام والجو العام بأكمله بحيث لا يخطر ببال مشاهد أن الفيلم حديث الإنتاج ولا يمثل فترته التي يصورها ، مع أداء طبيعي مميز للفنانة  سكوتي بلوش في دور السيدة  وكذلك  سيليبرت فورد رجل الغداء ، إضافة إلى كلاسيكيته الشديدة ومروره بالمراحل الثلاث العضوية بتسلسل من بداية ووسط ونهاية ، مع لقطات متوسطة في الأغلب ، ولم يكن اختيار الأبيض والأسود نوعا من الرفاهية الفنية أو الاستعراض الفني فقد كان ضروريا حيث الفيلم يناقش مشكلة كانت تبلغ ذروتها في ذلك الزمن .. زمن الخمسينات والستينات في أمريكا وما قبل وهي بطبيعة الحال فترة الأبيض والأسود في السينما ، كما ترك الفيلم بعض الأسئلة دون إجابة بشكل مقصود ، فيمكننا أن نتساءل " هل الرجل الأول الأسود الذي اصطدم بها وكان يرتدي ثيابا أنيقة من سرقها ؟ أم أنها فقدت أموالها لأنها نسيت التقاطها مع بقية أشيائها التي سقطت من حقيبتها ؟ " وفي كلتا الإجابتين فإن النتيجة لصالح الفكرة وهي عدم التعميم سواء كان الرجل الأسود الأول والذي عاملته بغلظة أمينا والأسود المتشرد الذي ظنت أنه سرق طعامها كريما ، أو أن الأسود الأول لصا والآخر نبيلا كريما ، فكلاهما يصب في صالح فكرة عدم التعميم وعدم التحجر الفكري تجاه شيء أو أشخاص أو فكرة لم يتم في الحقيقة اختبارها ، ومما يحسب للفيلم تقديمه لما أراد دون أي عبارات واعظة أو خطابية أو مباشرة بل دون كلمة تشير للمعنى المباشر مما يثير العقل للتفكير حيث تبنينا تلقائيا موقف السيدة في البداية لنكتشف جميعا أننا كنا مخطئين معها وهو ما أراده الفيلم ووفق فيه ، لينتهي الفيلم الذي بدأ بفقدان السيدة لقطارها مرتبكة مستاءة بركوبها القطار ضاحكة بل في نوبة من الضحك أعده لها القدر في موعد معه على الغداء

تقييم الموضوع

تعليقات Facebook


تعليقات البوابة الوثائقية