عصام زكريا يكتب عن " جاي الزمان " :حمزة وبليغ وعبد الحليم وأحزان الزمن الجميل
الأربعاء 27/مايو/2015 - 12:13 م
عصام زكريا
في لعبة قدرية مثيرة للخيال، استطاع عبد الحليم حافظ أن يجمع حوله، في حياته، ومماته، عددا من الأسماء التي لا يمكن أن يتذكرها المرء دون أن يذكر عبد الحليم، ولا أن يتذكر عبد الحليم دون أن يذكرهم.
في مارس 1977 مات عبد الحليم حافظ، وفي مارس 2005، منذ عشر سنوات، مات أحمد زكي، الذي لعب دور عبد الحليم في آخر أفلامه، وفي 21 يونيو، اليوم الذي ولد فيه عبد الحليم، ماتت سعاد حسني، التي ارتبطت عاطفيا بعبد الحليم، وفنيا بأحمد زكي.
أسماء أخرى ارتبطت باسم عبد الحليم، على رأسها الملحن بليغ حمدي وكاتب الأغاني محمد حمزة، وعندما نتكلم عن بليغ وحمزة تقفز إلى الصورة بالضرورة أسماء أخرى عديدة: وردة، شادية، محمد رشدي وغيرهم.
عصر كامل يمتد من بداية الستينيات وحتى نهاية السبعينيات وما بعدها يتوالد أمامنا حين يذكر أي اسم من الأسماء السابقة.
هذا بالضبط ما يحدث في فيلم "جاي الزمان"، الذي كتبته وأخرجته السينمائية الشابة دينا حمزة، والذي شهد عرضه العالمي الأول خلال مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الأخير، في مارس الماضي
في مارس 1977 مات عبد الحليم حافظ، وفي مارس 2005، منذ عشر سنوات، مات أحمد زكي، الذي لعب دور عبد الحليم في آخر أفلامه، وفي 21 يونيو، اليوم الذي ولد فيه عبد الحليم، ماتت سعاد حسني، التي ارتبطت عاطفيا بعبد الحليم، وفنيا بأحمد زكي.
أسماء أخرى ارتبطت باسم عبد الحليم، على رأسها الملحن بليغ حمدي وكاتب الأغاني محمد حمزة، وعندما نتكلم عن بليغ وحمزة تقفز إلى الصورة بالضرورة أسماء أخرى عديدة: وردة، شادية، محمد رشدي وغيرهم.
عصر كامل يمتد من بداية الستينيات وحتى نهاية السبعينيات وما بعدها يتوالد أمامنا حين يذكر أي اسم من الأسماء السابقة.
هذا بالضبط ما يحدث في فيلم "جاي الزمان"، الذي كتبته وأخرجته السينمائية الشابة دينا حمزة، والذي شهد عرضه العالمي الأول خلال مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الأخير، في مارس الماضي
دينا هي ابنة الشاعر والصحفي محمد حمزة، الذي رحل عن عالمنا في يونيو 2010، ورغم أن الهدف الأساسي من صنع الفيلم هو سعي صانعته لتجاوز محنة فقدان أبيها، إلا أن التوالد الطبيعي للأفكار والأسماء والأغنيات واللقطات السينمائية جعل الفيلم يتجاوز فكرة رثاء وتجسيد اسم محمد حمزة، ليصبح تجسيدا ورثاء لعصر بأكمله...وهو عصر يمكن اختزاله في كلمة واحدة: الشجن.
تسيطر على الفيلم رغبة واحدة مشبوبة، وغير متحققة، هي استعادة الماضي، أو بمعنى آخر عدم الرغبة في الخروج من هذا الماضي، حتى لو كان حضوره الكثيف، العذب، والمعذب، يحاصر الحاضر والمستقبل.
يبدأ الفيلم الوثائقي في معظمه بمشهد روائي تقوم فيه فتاة جميلة ترتدى فستانا مبهجا مزينا بالورود بالصعود إلى سور إحدى الشرفات والقاء نفسها، مع تعليق يشير إلى أنها الفتاة التي انتحرت حزنا على وفاة عبد الحليم حافظ.
بعد حوالي مئة دقيقة من زمن الفيلم، وبالقرب من نهايته، يتكرر مشهد الانتحار بتفاصيل أخرى، وبين المشهدين يغرق الفيلم وصانعته، ومشاهدوه بالتبعية، في عشرات الذكريات والأغنيات واللقطات المفعمة بالحنين والحب لعصر عبد الحليم ومحمد حمزة وبليغ حمدي وبقية فنانيه وأحداثه السياسية والاجتماعية البارزة، من تأميم قناة السويس، وحتى ثورة 25 يناير، مرورا بنكسة يونيو، وانتصار أكتوبر، ووفاة عبد الحليم، وبليغ، ومحمد حمزة.
تخبرنا المخرجة منذ اللحظات الأولى أنها فكرت في الانتحار عقب وفاة والدها، والذي أعقب وفاة والدتها بسنوات قليلة، وننتقل مع المخرجة إلى بيتها لنتعرف على أختها التوأم، دعاء، المعدة بالتليفزيون المصري، وأخيهما الأكبر، ومن خلال الصور الفوتوغرافية والشرائط المصورة القديمة للأسرة نتعرف على طبيعة الحياة في هذا البيت الذي كان يتردد عليه عدد من كبار نجوم العصر في الغناء والتمثيل والصحافة والأدب والرياضة
تسيطر على الفيلم رغبة واحدة مشبوبة، وغير متحققة، هي استعادة الماضي، أو بمعنى آخر عدم الرغبة في الخروج من هذا الماضي، حتى لو كان حضوره الكثيف، العذب، والمعذب، يحاصر الحاضر والمستقبل.
يبدأ الفيلم الوثائقي في معظمه بمشهد روائي تقوم فيه فتاة جميلة ترتدى فستانا مبهجا مزينا بالورود بالصعود إلى سور إحدى الشرفات والقاء نفسها، مع تعليق يشير إلى أنها الفتاة التي انتحرت حزنا على وفاة عبد الحليم حافظ.
بعد حوالي مئة دقيقة من زمن الفيلم، وبالقرب من نهايته، يتكرر مشهد الانتحار بتفاصيل أخرى، وبين المشهدين يغرق الفيلم وصانعته، ومشاهدوه بالتبعية، في عشرات الذكريات والأغنيات واللقطات المفعمة بالحنين والحب لعصر عبد الحليم ومحمد حمزة وبليغ حمدي وبقية فنانيه وأحداثه السياسية والاجتماعية البارزة، من تأميم قناة السويس، وحتى ثورة 25 يناير، مرورا بنكسة يونيو، وانتصار أكتوبر، ووفاة عبد الحليم، وبليغ، ومحمد حمزة.
تخبرنا المخرجة منذ اللحظات الأولى أنها فكرت في الانتحار عقب وفاة والدها، والذي أعقب وفاة والدتها بسنوات قليلة، وننتقل مع المخرجة إلى بيتها لنتعرف على أختها التوأم، دعاء، المعدة بالتليفزيون المصري، وأخيهما الأكبر، ومن خلال الصور الفوتوغرافية والشرائط المصورة القديمة للأسرة نتعرف على طبيعة الحياة في هذا البيت الذي كان يتردد عليه عدد من كبار نجوم العصر في الغناء والتمثيل والصحافة والأدب والرياضة
هذا البيت الخاوي الآن، إلا من صوت الراديو القديم، الذي أصبح كل ما بقى من علاقة المخرجة بأبيها وبيتها، وأيضا وسيلتها للخروج عبر الأغاني التي يبثها إلى العصر الذي عاش فيه الأب والأسماء التي عمل معهم، وعلى رأسهم حليم وبليغ.
من الراديو والأغاني التي تتدفق عبره عبر غرف المنزل وأروقة الذاكرة والاسطوانات والشرائط المصورة، يتوالى الفيلم مازجا بين الماضي والحاضر، متنقلا من شخصية لأخرى، وفكرة لأخرى، مع العودة من حين إلى آخر إلى الفكرة الأساسية، وهي عدم القدرة على الخروج من أسر هذا العصر "الجميل".
في أحد المشاهد يضحك محمد حمزة، صاحب "موعود" و"الوداع" و"جاي الزمان"، وهو يشير إلى عشق المصريين للحزن والأغاني الحزينة. في الحقيقة ما يشير إليه هو "الشجن"، تلك السمة المميزة للروح المصرية والموسيقى الشرقية المصرية. هذا الشجن هو مزيج من النوستالجيا- الحنين للماضي- والميلانخوليا – أي الميل للاكتئاب والحزن.
إجمالا، يحمل الفيلم جرعة شعورية كثيفة وشديدة التأثير، خاصة عندما تتوافق كلمات وألحان الأغاني وأصوات المطربين الذين يؤدونها مع ذكريات عصرها، وذكريات المخرجة، وذكريات جمهور الفيلم...وهي لحظات لن تستطيع فيها أن تتوقف عن البكاء.
ربما يوجد بعض الإفراط الانفعالي في الفيلم وبعض المشاهد التي يمكن اختزالها أو الغائها دون أن يتأثر بناء الفيلم ومعناه، ولكن ذلك لا يمنع أنه عمل نادر وشجاع وبالغ التأثير.
من الراديو والأغاني التي تتدفق عبره عبر غرف المنزل وأروقة الذاكرة والاسطوانات والشرائط المصورة، يتوالى الفيلم مازجا بين الماضي والحاضر، متنقلا من شخصية لأخرى، وفكرة لأخرى، مع العودة من حين إلى آخر إلى الفكرة الأساسية، وهي عدم القدرة على الخروج من أسر هذا العصر "الجميل".
في أحد المشاهد يضحك محمد حمزة، صاحب "موعود" و"الوداع" و"جاي الزمان"، وهو يشير إلى عشق المصريين للحزن والأغاني الحزينة. في الحقيقة ما يشير إليه هو "الشجن"، تلك السمة المميزة للروح المصرية والموسيقى الشرقية المصرية. هذا الشجن هو مزيج من النوستالجيا- الحنين للماضي- والميلانخوليا – أي الميل للاكتئاب والحزن.
إجمالا، يحمل الفيلم جرعة شعورية كثيفة وشديدة التأثير، خاصة عندما تتوافق كلمات وألحان الأغاني وأصوات المطربين الذين يؤدونها مع ذكريات عصرها، وذكريات المخرجة، وذكريات جمهور الفيلم...وهي لحظات لن تستطيع فيها أن تتوقف عن البكاء.
ربما يوجد بعض الإفراط الانفعالي في الفيلم وبعض المشاهد التي يمكن اختزالها أو الغائها دون أن يتأثر بناء الفيلم ومعناه، ولكن ذلك لا يمنع أنه عمل نادر وشجاع وبالغ التأثير.