عصام زكريا يكتب عن فيلم ناتالي بورتمان: حلم إسرائيل تحول إلى جحيم
الثلاثاء 19/مايو/2015 - 03:10 م
عصام زكريا
بالرغم من اختيار فيلمها "حكاية الحب والظلام" للعرض خارج المسابقة، إلا أن النجمة الأمريكية ناتالي بورتمان كانت محور اهتمام المهرجان والاعلام والجمهور، ربما أكثر من نجوم آخرين مشاركين في المسابقة أو أكثر منها شهرة. بورتمان التي تكتب وتخرج وتنتج لأول مرة أثارت الانتباه ليس فقط باختيارها لموضوع الفيلم، ولكن بحضورها البسيط ومشاركتها القوية في المهرجان، كما ظهر في حرصها على حضور كل عروض الفيلم وليس فقط العرض الرسمي في قصر المهرجان.
بورتمان التي تعيش في باريس حاليا دعمت حضورها بعدة حوارات صحفية عبرت فيها عن أرائها الحادة ضد هوليوود، التي تعبد جوائز الأوسكار مثل صنم، وحتى صدمتها الكبيرة في نتائج الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة التي أتت باليمين المتطرف إلى الحكم.
بورتمان التي تعيش في باريس حاليا دعمت حضورها بعدة حوارات صحفية عبرت فيها عن أرائها الحادة ضد هوليوود، التي تعبد جوائز الأوسكار مثل صنم، وحتى صدمتها الكبيرة في نتائج الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة التي أتت باليمين المتطرف إلى الحكم.
فيلم "حكاية الحب والظلام" مأخوذ عن مذكرات الأديب الاسرائيلي عاموس عوز، المولود عام 1939، وصاحب العديد من الروايات التي ترجمت للكثير من اللغات، حتى العربية، التي ترجمت إليها إثنان من أشهر رواياته هما "حنة وميخائيل" و"فيكتوريا". عرف عاموس عوز بمواقفه اليسارية المدافعة عن حق الفلسطينيين في أن يكون لهم دولة مستقلة، بجانب إسرائيل بالطبع، كما عرف بتأييده لاتفاقية أوسلو والحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. وهو لا يكف عن إثارة الجدل بمقالاته المعارضة للسياسة الاسرائيلية العدوانية والعنيفة، والمنادية بضرورة حسم الصراع العربي الاسرائيلي عن طريق إنشاء الدولتين، وبأسرع وقت ممكن.
نشر عاموس عوز مذكراته تحت عنوان "حكاية الحب والظلام" عام 2002 وترجمت إلى العديد من اللغات، وبيع منها أكثر من مليون نسخة عبر العالم. ويروي فيها عوز ذكريات طفولته منذ ولادته في فلسطين تحت الانتداب البريطاني ثم إعلان الدولة الصهيونية عام 1948، وحتى فترة مراهقته في أحد "الكيبوتزات"، معسكرات العمل الاسرائيلية، ويركز فيها بشكل خاص على علاقته بأبويه، ووفاة أمه المبكرة التي تركت فيه جرحا دائما. وهو يربط في المذكرات بين مرض أمه وانتحارها وبين تحول حلم الدولة الاسرائيلية إلى كابوس للعنف والدمار منذ إعلانها.
منذ عدة سنوات قام عوز بإرسال نسخة من الترجمة العربية لمذكراته إلى المناضل الفلسطيني مريد البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية، موقعا إياها بإهداء عاطفي، مما أثار ضده اليمين المحافظ، وقامت إحدى المستشفيات الكبيرة بالغاء دعوته لإلقاء كلمة في حفل تدشينها.
لا عجب أن مذكرات عاموس عوز نالت اهتمام وإعجاب الممثلة الأمريكية ناتالي بورتمان، فهي يهودية ولدت في إسرائيل مثله، بالرغم من أنها نصف يهودية فقط، وبالرغم من أنها تركت إسرائيل إلى الأبد منذ طفولتها. ولكن بورتمان طالما أبدت اهتمامها بالشئون السياسية وخاصة في فلسطين المحتلة، وطالما أعلنت مواقفها الرافضة للعنف الاسرائيلي والمتعاطفة مع العرب، والمؤيدة، مثل مواقف عوز، لحل الدولتين.
نشر عاموس عوز مذكراته تحت عنوان "حكاية الحب والظلام" عام 2002 وترجمت إلى العديد من اللغات، وبيع منها أكثر من مليون نسخة عبر العالم. ويروي فيها عوز ذكريات طفولته منذ ولادته في فلسطين تحت الانتداب البريطاني ثم إعلان الدولة الصهيونية عام 1948، وحتى فترة مراهقته في أحد "الكيبوتزات"، معسكرات العمل الاسرائيلية، ويركز فيها بشكل خاص على علاقته بأبويه، ووفاة أمه المبكرة التي تركت فيه جرحا دائما. وهو يربط في المذكرات بين مرض أمه وانتحارها وبين تحول حلم الدولة الاسرائيلية إلى كابوس للعنف والدمار منذ إعلانها.
منذ عدة سنوات قام عوز بإرسال نسخة من الترجمة العربية لمذكراته إلى المناضل الفلسطيني مريد البرغوثي المعتقل في السجون الإسرائيلية، موقعا إياها بإهداء عاطفي، مما أثار ضده اليمين المحافظ، وقامت إحدى المستشفيات الكبيرة بالغاء دعوته لإلقاء كلمة في حفل تدشينها.
لا عجب أن مذكرات عاموس عوز نالت اهتمام وإعجاب الممثلة الأمريكية ناتالي بورتمان، فهي يهودية ولدت في إسرائيل مثله، بالرغم من أنها نصف يهودية فقط، وبالرغم من أنها تركت إسرائيل إلى الأبد منذ طفولتها. ولكن بورتمان طالما أبدت اهتمامها بالشئون السياسية وخاصة في فلسطين المحتلة، وطالما أعلنت مواقفها الرافضة للعنف الاسرائيلي والمتعاطفة مع العرب، والمؤيدة، مثل مواقف عوز، لحل الدولتين.
قامت ناتالي بورتمان بشراء حقوق المذكرات لتحويلها إلى فيلم، وكتبت السيناريو وقامت بتصوير معظمه في إسرائيل عام 2014، وحصلت على دعم من عدة مؤسسات إسرائيلية، بالرغم من الحملة التي شنها ضدها وضد الفيلم عدد كبير من أنصار اليمين المتعصب الكارهين للفلسطينيين، وعوز.
اختارت بورتمان أن تركز على قصة الأم، وقامت بأداء دورها، ربما أكثر من الولد نفسه، صاحب المذكرات، ورغم أن الفيلم لا يتعرض للسياسة كثيرا، إذا وضعنا في حسباننا الظروف التاريخية الملتهبة التي تدور فيها الأحداث، إلا أن الجو العام للفيلم كئيب والمشاعر الحزينة تلفه، حتى في المشهد الذي يتم فيه إعلان دولة إسرائيل، الذي يفترض أنه أهم وأسعد حدث في حياة الشخصيات الرئيسية. طبعا مع الوضع في الحسبان أيضا أن بورتمان تكتفي برواية الأحداث من وجهة النظر اليهودية الاسرائيلية فقط، ولا تعطي للصوت العربي وجودا إلا على لسان البطل الرئيسي أحيانا. ويظهر ذلك بوضوح في مشاهد حرب 1948، التي تكتفي فيها بإظهار العدوان العربي على اليهود، دون أن تصور العدوان الاسرائيلي واغتصاب الأراضي بالقوة، والارهاب.
في أحد المشاهد، وقبل إعلان دولة إسرائيل بسنوات، يذهب عوز، الذي يؤدي دوره الممثل الطفل أمير تيسلر، ذات يوم مع أحد أقاربه لحضور حفل عربي. يرحب به صاحب الدار ويدعوه للعب في الحديقة الخلفية، حيث يجد طفلة عربية وأخيها الصغير. تتوتر الأجواء في البداية عندما تستقبله الطفلة بتوجس، ولكن يتبادل معها الحديث ويبدأن في اللعب سويا. يحاول أن يبهرها بالتعلق فوق شجرة فيتسبب في سقوط "المرجيحة عليهم مما يؤدي إلى إصابة أخيها الصغير وإصابته هو بجرح خفيف. يتحول الحفل إلى حزن، ويصحبه أقاربه إلى الخارج. وتظل صورة الطفلة العربية الجميلة وأخيها تطارده لسنوات...تتحول إلى إستعارة بصرية لما فعله اليهود بالعرب طوال عقود.
اختارت بورتمان أن تركز على قصة الأم، وقامت بأداء دورها، ربما أكثر من الولد نفسه، صاحب المذكرات، ورغم أن الفيلم لا يتعرض للسياسة كثيرا، إذا وضعنا في حسباننا الظروف التاريخية الملتهبة التي تدور فيها الأحداث، إلا أن الجو العام للفيلم كئيب والمشاعر الحزينة تلفه، حتى في المشهد الذي يتم فيه إعلان دولة إسرائيل، الذي يفترض أنه أهم وأسعد حدث في حياة الشخصيات الرئيسية. طبعا مع الوضع في الحسبان أيضا أن بورتمان تكتفي برواية الأحداث من وجهة النظر اليهودية الاسرائيلية فقط، ولا تعطي للصوت العربي وجودا إلا على لسان البطل الرئيسي أحيانا. ويظهر ذلك بوضوح في مشاهد حرب 1948، التي تكتفي فيها بإظهار العدوان العربي على اليهود، دون أن تصور العدوان الاسرائيلي واغتصاب الأراضي بالقوة، والارهاب.
في أحد المشاهد، وقبل إعلان دولة إسرائيل بسنوات، يذهب عوز، الذي يؤدي دوره الممثل الطفل أمير تيسلر، ذات يوم مع أحد أقاربه لحضور حفل عربي. يرحب به صاحب الدار ويدعوه للعب في الحديقة الخلفية، حيث يجد طفلة عربية وأخيها الصغير. تتوتر الأجواء في البداية عندما تستقبله الطفلة بتوجس، ولكن يتبادل معها الحديث ويبدأن في اللعب سويا. يحاول أن يبهرها بالتعلق فوق شجرة فيتسبب في سقوط "المرجيحة عليهم مما يؤدي إلى إصابة أخيها الصغير وإصابته هو بجرح خفيف. يتحول الحفل إلى حزن، ويصحبه أقاربه إلى الخارج. وتظل صورة الطفلة العربية الجميلة وأخيها تطارده لسنوات...تتحول إلى إستعارة بصرية لما فعله اليهود بالعرب طوال عقود.
يعتمد الفيلم على تقنية الراوي، الذي يفسر الأحداث ويحللها ويعلق عليها، وذلك بلسان ممثل عجوز يؤدي دور عاموس عوز وقت كتابة المذكرات. في المشاهد التي تصور حرب 48، والتي تعتمد على مشاهد وثائقية بالأبيض والأسود بجانب المشاهد التمثيلية يقول عوز:
" ليس هناك أسوأ من أن يحارب المضهدين بعضهم البعض. أن يعتقد الأخ أن أخاه هو العدو، بدلا من أن يتحالف معه ضد عدوه. لقد تعرض العرب للاحتلال والاذلال على يد الأوربيين، وتعرض اليهود للاضطهاد والإبادة على يد الأوربيين، ولكن العرب يعتقدون أن إسرائيل هي ذراع الاستعمار الغربي، والاسرائيليون يعتقدون أن العرب معادون للسامية، ويخلعون عليهم قناع النازيين الذين اضطهدوهم."
أمه التي جاءت إلى فلسطين من بولندا مع أسرتها هربا من مذابح النازي التي أودت بأرواح كل سكان قريتها انتهى بها الأمر منتحرة عقب صدمتها في الحلم الكبير بأرض الميعاد التي تحولت، حسب وصفها، إلى "جحيم". بالقرب من نهاية الفيلم يعلق الراوي من جديد: "الحلم الذي يتحقق هو حلم فاشل. يجب أن يظل الحلم حلما لأن هذا سر قوته.ماتت أمي عندما اكتشفت أن الحلم الذي قضت سنوات في انتظاره تحول إلى واقع كابوسي. الحياة لم تصبح أفضل, المرض، الخيانة، الغيرة، الكراهية، العنف."
فوق السياسة والفقر عانت الأم من اضطهاد حماتها التي تكرهها، ومن معاملة أمها القاسية لها. في أحد المشاهد المؤثرة في الفيلم تقوم الأم بصفع نفسها عدة مرات بعد تأنيب أمها لها. عاموس الطفل يقلد أمه ويصفع نفسه عندما يتعرض لاعتداء زملائه في المدرسة...لقد أخذ عن أمه احساسها بالذنب ولكنه أخذ منها ايضا أفضل ما فيها، وهو الخيال. عندما يحاول زملائه ضربه مرة ثانية يبدأ في رواية بعض الحكايات الخيالية لهم، وتصبح هذه وسيلته الدائمة ليحمي نفسه من العنف المتصاعد حوله.
" ليس هناك أسوأ من أن يحارب المضهدين بعضهم البعض. أن يعتقد الأخ أن أخاه هو العدو، بدلا من أن يتحالف معه ضد عدوه. لقد تعرض العرب للاحتلال والاذلال على يد الأوربيين، وتعرض اليهود للاضطهاد والإبادة على يد الأوربيين، ولكن العرب يعتقدون أن إسرائيل هي ذراع الاستعمار الغربي، والاسرائيليون يعتقدون أن العرب معادون للسامية، ويخلعون عليهم قناع النازيين الذين اضطهدوهم."
أمه التي جاءت إلى فلسطين من بولندا مع أسرتها هربا من مذابح النازي التي أودت بأرواح كل سكان قريتها انتهى بها الأمر منتحرة عقب صدمتها في الحلم الكبير بأرض الميعاد التي تحولت، حسب وصفها، إلى "جحيم". بالقرب من نهاية الفيلم يعلق الراوي من جديد: "الحلم الذي يتحقق هو حلم فاشل. يجب أن يظل الحلم حلما لأن هذا سر قوته.ماتت أمي عندما اكتشفت أن الحلم الذي قضت سنوات في انتظاره تحول إلى واقع كابوسي. الحياة لم تصبح أفضل, المرض، الخيانة، الغيرة، الكراهية، العنف."
فوق السياسة والفقر عانت الأم من اضطهاد حماتها التي تكرهها، ومن معاملة أمها القاسية لها. في أحد المشاهد المؤثرة في الفيلم تقوم الأم بصفع نفسها عدة مرات بعد تأنيب أمها لها. عاموس الطفل يقلد أمه ويصفع نفسه عندما يتعرض لاعتداء زملائه في المدرسة...لقد أخذ عن أمه احساسها بالذنب ولكنه أخذ منها ايضا أفضل ما فيها، وهو الخيال. عندما يحاول زملائه ضربه مرة ثانية يبدأ في رواية بعض الحكايات الخيالية لهم، وتصبح هذه وسيلته الدائمة ليحمي نفسه من العنف المتصاعد حوله.