الجمعة 26 أبريل 2024 م - 17 شوال 1445 هـ

Her و تجسد المحبوب

الثلاثاء 24/مارس/2015 - 04:07 م
هدى عمران
 

بعيدا  عن أن فيلم her واحدا ً من أجمل الأفلام الأمريكية من حيث السيناريو أو التصوير أو من حيث استخدام الألوان التي تم  توظيفها كما لوحات فنية تبعا للحالة النفسية لشخصيات الفيلم ، الا أنه  لم يقع  في أسر الفكرة النمطية التي تم تناولها في الكثير من الأفلام حيث  سيطرة الآلة على الانسان ، لم تكن هذه قضية الفيلم الأساسية ، يبدو لي  بشكل أدق أن  الفيلم كان همه  تناول الأزمة التي تقع فيها الذات الانسانية في عصر ما بعد الحداثة ، الغربة داخل المدينة ، و صعوبة تواصل الفرد مع الجماعة .

غريب في المدينة

" ثيودور " الذي يقوم بدوره الممثل البارع "Joaquin Phoenix " يعمل كاتب للجوابات ، خطابات الغرام بين المحبين و الأزواج ، هو يكتبها و يندمج مع حكاية كل فرد منهم . تبدو هذه المهنة قديمة جدا  و كلاسيكية كما ثيودور بمظهره القديم بملابسه و شاربه و نظارته ، على عكس  المكان أو المدينة التي نراها في كادرات واسعة و لامعة أقرب الى الكمال، كمال آلي من صنع التقدم التكنولوجي يفتقر الى الخطأ الانساني ،هذا الخطأ الذي يعطي للحياة حيويتها .

التناقض هنا بين البطل و مدينته يولد شعورا  ما بالعزلة و الاغتراب راكمته البشرية عبر تاريخها الطويل في ابتعادها طوال الوقت عن الفطرة و تفتيت هويتها الانسانية ، her  يثير هذا الشعور دون الحديث عنه، يكفي أن ترى ثيودور و هو يبدو صغير جدا ً متجولاً من عمله الى منزله في الشوارع الكبيرة لتعرف أنه غير منتمي أو أنه قد اقتلع لتوه من أرضه.

هناك حالة عامة من الاغتراب يعيشها ثيودور تدفعه للانعزال ، ثم تشجعه على شراء برنامج متطور يقيم معه علاقة لاحقا ً. 

تبدو فكرة الوقوع في حب برنامج حاسوب هي فكرة مجنونة بالأساس ، ثيودور يقوم بشراء برنامج   عبارة عن صوت يسمي نفسه " سامنتا " تؤديه الممثلة " Scarlett Johansson "  ،يعيش معه تفاصيل حياته ثم تتطور الحكاية فيقع في حبه.

التحرر من المحبوب

هنا يثير الفيلم و بسيناريو محكم من مخرج الفيلم نفسه " سبايك جونز "   من خلال هذه العلاقة أسئلة طالما شغلت عقل الانسان على رأسها " ماهية الحب و كيفيته " ، أسئلة عن تجسد المحبوب و وجوده داخل كيان المحب ،عن الجنس  ضرورته أو عدم ضرورته .

في مجتمع غربي تكون فيه العلاقات أكثر تحرراً خاصةً في مسألة التجسد ، تصبح فكرة الفيلم مجنونة و غير منطقية بالأساس ،لكن تبدو الفكرة أقرب الى مجتمعاتنا العربية التي غذت مفاهيم معينة عن الحب حرَّمت فيها الجسد تماما  ، فأعطت مساحة أكبر للخيال و من ثم شجعت على اقامة علاقات افتراضية لا تختلف كثيرا ً عن علاقة البطل ببرنامجه الحاسوبي ، يمكن لذلك نحن نفهم جيدا ً مقدار اللوعة التي تحرق قلب ثيودور عندما تتركه سمانتا رغم عدم وجودها المادي أو الواقعي .

يحيلنا " جونز " مؤلف الفيلم الى فكرة التحرر التي هي اساس ادراك الذات الانسانية ، فالخطوة الأولى هي التحرر من سطوة الجسد ، ثم يتبعها التحرر من المحبوب ذاته في اشارة الى التحرر من علاقات التملك التي تكبل الفطرة الإنسانية ، و يتجلى هذا بوضوح في اسم الفيلم ، ضمير الملكية  “ her “  أي أنه ملكها هي ، هو عالمها هي و جسدها و كيانها الخاص .

 وعلى  الرغم من انعدام جسد المحبوب " سامنتا " ،فإن علاقة الحب بينها و بين ثيودور جعلتها تدرك مدى أهمية جسدها الغير موجود ، و أن تدرك كيانها الذي تحرر من خلال هذا الحب.

يظهر هذا بوضوح في حوار ثيودور الأخير مع سمانتا ، الذي تقول له فيه أنها لابد أن ترحل حيث لن تستطيع أن تستمر جزءا ً في تجربته ، و أنها استطاعت أن تجد نفسها من خلال قصتها معه ، هي فقط تريد أن ترحل .


الجدير بالذكر أن  فيلم "Her " قد تم ادراجه على قائمة  معهد الفيلم الأمريكي لأفضل 10 أفلام في 2013، وترشح لعشرات الجوائز الأخرى من أبرزها الاوسكار و الجولدن جلوب و التي فاز فيهما  لأفضل سيناريو . 

تقييم الموضوع

تعليقات Facebook


تعليقات البوابة الوثائقية